74
نور العـالم

يوحنا 8، 9

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في الحلقة السابقة، رأينا كيف كان الكهنة والكتبة والفرِّيسيون يضايقون يسوع، ويحاولون أن يمسكوه ليقتلوه. إلا أن أحداً لم يستطع أن يفعل هذا، لأن الساعة التي حدَّدها الله ليموت فيها يسوع كذبيحة عن الخطية، لم تكن قد جاءت بعد..!
واليوم، سنستمر في قراءتنا في الإنجيل؛ لنرى كيف وبَّخ يسوع أولئك الذين قاوموه، وكيف شفى رجلاً أعمى منذ ولادته. واسم درسنا اليوم هو .. ‘‘نور العالم’’!

وفي إنجيل يوحنا، الأصحاح الثامن، يقول الكتاب:
‘‘ثم حضر يسوع أيضاً إلى الهيكل في الصبح، وجاء إليه جميع الشعب، فجلس يعلِّمهم. .. فقال لهم يسوع: أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة. فقال له الفريسيُّون: أنت تشهد لنفسك. شهادتك ليست حقاً. أجاب يسوع وقال لهم: إن كنت أشهد لنفسي، فشهادتي حق؛ لأني أعلم من أين أتيت، وإلى أين أذهب. وأما أنتم، فلا تعلمون من أين آتي، ولا إلى أين أذهب. .. أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم، أما أنا فلست من هذا العالم. فقلت لكم إنكم تموتون في خطاياكم. لأنكم إن لم تؤمنوا أني أنا هو، تموتون في خطاياكم. فقالوا له: من أنت؟ فقال لهم يسوع: أنا من البدء ما أكلِّمكم أيضاً به. .. متى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذ تفهمون أني أنا هو، ولست أفعل شيئاً من نفسي، بل أتكلَّم بهذا كما علَّمني أبي. .. وتعرفون الحق، والحق يحرِّركم!

‘‘فأجابوه: إننا ذرية إبراهيم، ولم نُستعبد لأحدٍ قط. كيف تقول أنت: أنكم تصيرون أحراراً؟ أجابهم يسوع: الحق الحق أقول لكم، إن كل من يعمل الخطية، هو عبدٌ للخطية. والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد. أما الابن، فيبقى إلى الأبد. فإن حرَّركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحراراً. أنا عالم أنكم ذرية إبراهيم، لكنكم تطلبون أن تقتلوني؛ لأن كلامي لا موضع له فيكم. أنا أتكلَّم بما رأيت عند أبي، وأنتم تعملون ما رأيتم عند أبيكم. أجابوا وقالوا له: أبونا هو إبراهيم. قال لهم يسوع: لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم. ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسان قد كلَّمكم بالحق الذي سمعه من الله. هذا لم يعمله إبراهيم. أنتم تعملون أعمال أبيكم.

‘‘فقالوا له: إننا لم نُولَد من زنا. لنا أبٌ واحدٌ، وهو الله. فقال لهم يسوع: لو كان الله أباكم، لكنتم تحبونني؛ لأني خرجت من قِبَل الله، وأتيت. لأني لم آتي من نفسي، بل ذاك أرسلني. لماذا لا تفهمون كلامي؟ لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي. أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتَّالاً للناس من البدء، ولم يثبت في الحق؛ لأنه ليس فيه حق. متى تكلَّم بالكذب، فإنما يتكلَّم مما له، لأنه كذَّاب وأبو الكذَّاب. وأما أنا، فلأني أقول الحق، لستم تؤمنون بي. من منكم يبكِّتني على خطية؟ فإن كنت أقول الحق، فلماذا لستم تؤمنون بي؟ الذي من الله، يسمع كلام الله. لذلك أنتم لستم تسمعون، لأنكم لستم من الله.

‘‘فأجاب اليهود وقالوا له: ألسنا نقول حسناً أنك سامريٌّ وبك شيطان؟ أجاب يسوع: أنا ليس بي شيطان؛ لكني أكرم أبي، وأنتم تهينونني. أنا لست أطلب مجدي. يوجد من يطلب ويدين. الحق الحق أقول لكم، إن كان أحد يحفظ كلامي، فلن يرى الموت إلى الأبد.

‘‘فقال له اليهود: الآن علمنا أن بك شيطان. قد مات إبراهيم والأنبياء، وأنت تقول إن كان أحد يحفظ كلامي، فلن يذوق الموت إلى الأبد. ألعلَّك أعظم من أبينا إبراهيم الذي مات، والأنبياء الذين ماتوا؟ أجاب يسوع: إن كنت أمجِّد نفسي، فليس مجدي شيئاً. أبي هو الذي يمجِّدني، الذي تقولون أنتم أنه إلهكم، ولستم تعرفونه. وأما أنا، فأعرفه. وإن قلت إني لست أعرفه، أكون مثلكم كاذباً. لكني أعرفه وأحفظ قوله. أبوكم إبراهيم تهلَّل بأن يرى يومي، فرأى وفرح. فقال له اليهود: ليس لك خمسين سنة بعد، أفرأيت إبراهيم؟ قال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم، قبل أن يكون إبراهيم، أنا كائن. فرفعوا حجارةً ليرجموه. وأما يسوع، فاختفى وخرج من الهيكل مجتازاً في وسطهم، ومضى هكذا.’’ (يوحنا 2:8-59)


‘‘وفيما هو مجتاز، رأى إنساناً أعمى منذ ولادته. فسأله تلاميذه قائلين: يا معلِّم، من أخطأ، هذا أم أبواه، حتى وُلِد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه. ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني مادام نهار. يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحد أن يعمل. مادمت في العالم، فأنا نور العالم.

‘‘قال هذا، وتفل على الأرض، وصنع من التفل طيناً، وطلى بالطين عينيّ الأعمى. وقال له: اذهب اغتسل في بركة سلوام، الذي تفسيره ‘مُرسَل’. فمضى واغتسل، وأتى بصيراً. فالجيران والذين كانوا يرونه قبلاً أنه كان أعمى، قالوا: أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي؟ أخرون قالوا: هذا هو. وآخرون: أنه يشبهه. وأما هو فقال: إني أنا هو. فقالوا له: كيف انفتَحَت عيناك. أجاب ذاك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوع، صنع طيناً وطلى عينيَّ وقال لي: اذهب إلى بركة سلوام واغتسل. فمضيت واغتسلت، فأبصرت. فقالوا له: أين ذاك؟ قال: لا أعلم.

‘‘فأتوا إلى الفرِّيسيين بالذي كان قبلاً أعمى. وكان سبت حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه. فسأله الفريسيون أيضاً كيف أبصر. فقال لهم: وضع طيناً على عينيَّ واغتسلت، فأنا أبصر. فقال قوم من الفرِّيسيين: هذا الإنسان ليس من الله؛ لأنه لا يحفظ السبت. آخرون قالوا: كيف يقدر إنسانٌ خاطئٌ أن يعمل مثل هذه الآيات؟ وكان بينهما انشقاق. قالوا أيضاً للأعمى: ماذا تقول أنت عنه من حيث أنه فتح عينيك؟ فقال: إنه نبيٌّ.

‘‘فلم يصدِّق اليهود عنه أنه كان أعمى فأبصر، حتى دعوا أبوي الذي أبصر. فسألوهما قائلين: أهذا ابنكما الذي تقولان أنه وُلِد أعمى، فكيف يبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نعلم أن هذا ابننا، وأنه وُلِد أعمى. وأما كيف يبصر الآن، فلا نعلم. أو من فتح عينيه، فلا نعلم. هو كامل السن اسألوه؛ فهو يتكلَّم عن نفسه. قال أبواه هذا؛ لأنهما كانا يخافان من اليهود. لأن اليهود كانوا قد تعاهدوا أنه إن اعترف أحدٌ بأنه المسيح، يُخرَج من المجمع. لذلك قال أبواه: إنه كامل السن، اسألوه.

‘‘فدعوا ثانيةً الإنسان الذي كان أعمى. وقالوا له: اعطي مجداً لله. نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ. فأجاب ذاك وقال: أخاطئ هو، لست أعلم. إنما أعلم شيئاً واحداً: أني كنت أعمى، والآن أبصر. فقالوا له أيضاً: ماذا صنع بك، كيف فتح عينيك؟ أجابهم: قد قلت لكم ولم تسمعوا. لماذا تريدون أن تسمعوا أيضاً؟ ألعلكم أنتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقالوا: أنت تلميذ ذاك، وأما نحن فإننا تلاميذ موسى. نحن نعلم أن موسى كلَّمَه الله. وأما هذا، فما نعلم من أين هو.

‘‘أجاب الرجل وقال لهم: إن في هذا عجباً. إنكم لستم تعلمون من أين هو، وقد فتح عينيَّ. ونعلم أن الله لا يسمع للخطاة. ولكن إن كان أحدٌ يتَّقي الله ويفعل مشيئته، فلهذا يسمع. منذ الدهر لم يُسمَع أن أحداً فتح عيني مولودٍ أعمى. لو لم يكن هذا من الله، لم يقدر أن يفعل شيئاً. أجابوا وقالوا له: في الخطايا وُلدتَ أنت بجملتك، وأنت تُعلِّمنا؟ فأخرجوه خارجاً.

‘‘فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجاً. فوجده وقال له: أتؤمن بابن الله؟ أجاب ذاك وقال: من هو يا سيد لأومن به. فقال له يسوع: قد رأيته، والذي يتكلَّم معك هو هو. فقال: أؤمن يا سيد، وسجد له. فقال يسوع: لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم؛ حتى يبصر الذين لا يبصرون، ويعمى الذين يبصرون.
‘‘فسمع هذا الذين كانوا معه من الفرِّيسيين. وقالوا له: ألعلَّنا نحن أيضاً عميان؟ فقال لهم يسوع: لو كنتم عمياناً، لما كان لكم خطية. ولكن الآن تقولون إننا نبصر، فخطيتكم باقية.’’
(يوحنا 1:9-41)

وهكذا، شفى الرب يسوع الرجل الأعمى منذ ولادته، ووبَّخ الفرِّيسيين بسبب أذهانهم العمياء. إذ كان عمى هؤلاء الخبراء الدينيين أشد وأقسى من العمى العادي. فلقد كانوا قادرين أن يروا، ولكنهم لم يريدوا أن يروا؛ ولذلك التقطوا حجارة ليرجموا بها يسوع. لقد أغلق رجال الدين هؤلاء، أذهانهم عن حقيقة يسوع. فلم يريدوا أن يصدِّقوا أنه هو المسيَّا، نور العالم. ولم يريدوا أن يصدِّقوا أنه موجود وكائن من قبل النبي إبراهيم؛ وأنه هو الكلمة الذي كان مع الله من البدء. .. لم يريدوا أن يروا الحقيقة!

وفي قصتنا اليوم، رأينا نوعين من العميان: عميان البصر، وعميان الذهن. وظلمة عَمَى الذهن أشد وأقسى من ظلمة عَمَى البصر. فإن كانت عينك عمياء، فلن ترى أشياء العالم. ولكن إن كان ذهنك هو الأعمى، فلن تفهم أمور الأبدية!

إن كلمة الله تعلمنا أن كل نسل آدم عميان منذ ولادتهم ـ عميان الذهن وعميان القلوب. فبسبب خطية آدم، وُلدنا كلنا في ظلمة الخطية والجهل. إذ ليس لنا معرفة بالله، ولا رغبة طبيعية في معرفة حقه. فكما أن الصراصير تنتشر هنا وهناك عندما تنطفئ الأنوار، هكذا نحن، نتجنَّب نور كلمة الله، ونقنع بأن نعيش حياتنا في الظلام. وللأسف، فإن معظم نسل آدم يموت في ظلمة الخطية والجهل. يقول النبي هوشع:
‘‘اسمعوا قول الرب .. قد هلك شعبي من عدم المعرفة. لأنك قد رفضت المعرفة، أرفضك أنا أيضاً ..’’ (هوشع 1:4، 6)

والخبر السار هو أن الله لا يريد أن يهلك أحد في ظلمة الخطية والجهل. ولهذا السبب، جاء إلى عالمنا بإرساله الرب يسوع المسيح لنا. وقد تكلَّم النبي زكريَّا عن الرب يسوع، ووصفه بـ‘‘الشمس المشرقة’’ التي أرسلها الله ‘‘من السماء، لتضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت؛ لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام.’’ (لوقا 79:1) لقد كان الأنبياء كالنجوم التي تضيء الليل، أما يسوع المسيح فكان هو الشمس المشرقة التي تأتي بالنور والحياة لكل من يؤمن به.


وهنا نسأل:
.. كم شمس خلقها الله لتضيء لنا عالمنا؟
إنها شمسٌ واحدة..!
.. وكم مخلِّص أرسله الله من السماء؛ ليخلِّص الخطاة من ظلمة الخطية والجحيم الأبدي؟
إنه مخلصٌ واحدٌ أيضاً..!
إلا أن معظم نسل آدم لا يفهم هذا. ولهذا، ما زالوا يتخبَّطون في ظلمة الخطية. ولهذا تعلن كلمة الله عن الرب يسوع المسيح، قائلة:
‘‘والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه. كان في العالم، وكُوِّن العالم به، ولم يعرفه العالم.’’ (يوحنا 5:1 ،10)

أصدقائي المستمعين ..
هل فتح الرب يسوع عيون أذهانكم وقلوبكم؟ أم إنكم مازلتم تتخبَّطون في ظلمة الخطية والجهل؟

أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم! وفي الحلقة القادمة، بإذن الله، سوف نستمر في دراسة الإنجيل، ونرى مجد الله المشرق من الرب يسوع، كالشمس ..

فليبارككم الله، وأنتم تتأملون في إعلان الرب يسوع عن نفسه، عندما قال:
‘‘أنا هو نور العالم. من يتبعني لا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة.’’
(يوحنا 12:8)
ــــــــــــ

 الدرس الخامس والسبعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية