75
رب المـجد

متى 16، 17

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في حلقتنا السابقة من دراستنا في الإنجيل، رأينا كيف فتح يسوع المسيح عينيَّ رجلٍ، كان أعمى منذ ولادته. فليس هناك شيئٌ مستحيلٌ على يسوع؛ لأنه كلمة الله نفسه الذي ظهر على الأرض كإنسان. ولذلك استطاع يسوع أن يتحكَّم في كل قوة على الأرض: الريح والبحر والشياطين والمرض والموت. ففي كل مكان ذهب إليه يسوع، تزاحم الجموع حوله، ولكن بعضهم فقط هم الذين أدركوا حقاً من هو يسوع. لقد اعتبره الناس نبياً، ولكنهم لم يدركوا أن كل ملء الله كان فيه. ولم يفهموا أن يسوع هو رب المجد، الذي أتى من السماء.
وفي درسنا اليوم، إن شاء الله، سنرى كيف كان الرب يسوع مملوءً من نور مجد الله، وكيف أظهر هذا المجد للحظة قصيرة، في يومٍ كان فيه على الجبل مع ثلاثة من تلاميذه.

والآن دعونا نرجع إلى الإنجيل المقدس.
يقول الكتاب:
‘‘وفيما هو يصلِّي على انفراد، كان التلاميذ معه. فسألهم قائلاً: من تقول الجموع أني أنا؟ فأجابوا وقالوا: يوحنا المعمدان. وأخرون: إيليَّا. وآخرون: أن نبياً من القدماء قام. فقال لهم: وأنتم من تقولون أني أنا؟ فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب يسوع وقال له: طوبى لك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يُعلِن لك، لكن أبي الذي في السموات.’’ (لو 18:9-19 ؛ مت 15:16-17)

دعونا نتوقف هنا لبرهة، لنفكِّر في السؤال الذي سأله يسوع لتلاميذه، عندما كان وحده معهم.
.. سأل يسوع تلاميذه قائلاً: ‘‘من تقول الجموع إني أنا؟’’
فأجاب التلاميذ يسوع أن معظم الناس يقولون عنه أنه نبيٌ من الأنبياء.
.. ثم سألهم يسوع ثانية قائلاً: ‘‘وأنتم، من تقولون أني أنا؟’’
فأجابه واحدٌ من التلاميذ، وهو سمعان بطرس، وقال: ‘‘أنت هو المسيح ابن الله الحي!’’

حقاً، إن السؤال الذي سأله يسوع لتلاميذه هو سؤال هام جداً، ينبغي على كلٍّ منا أن يجيب عليه! .. وأنت يا من تستمع اليوم، من هو يسوع في رأيك؟ ماذا تعتقد عنه؟ هل تعتبره مجرد نبي من الأنبياء؟ أم أنك تتفق مع بطرس الذي أعلن أن يسوع هو ‘‘المسيح ابن الله الحي’’؟
.. من هو يسوع في رأيك؟ هل تؤمن أن يسوع هو المسيَّا، الفادي الذي وعد به الله في ذلك اليوم الذي أخطأ فيه أبوانا آدم وحواء؟ هل تؤمن أن يسوع هو ‘‘ابن الله الحي’’، كلمة الله الذي نزل من السماء؟

كما تعلم، أنه حتى هذا اليوم، هناك الكثيرون الذين ينكرون أن يسوع هو ابن الله؛ لأنهم يظنُّون أن هذا الاسم يعني أن الله اتخذ زوجة، وانجب منها ابناً! ولكن ليس هذا هو المعنى..!
إن مجد الله أعظم من ذلك! فالله روح، وهو لا يلد كما يلد البشر، ولكن هذا لا يمنعه من أن يدعو يسوع ابنه. وقد أوضحنا هذا من قبل هكذا: فإن كنت أقول أني ابن مصر مثلاً، فإن هذا لا يعني أن مصر اتخذت زوجة أو زوج وأنجبتني، ولكن هذا يعني ببساطة أن مصر هي المكان الذي أتيت منه.
هذا هو ما حدث مع يسوع، المسيَّا، الذي وُلِد من عذراء. إذ أنه حتى قبل أن يُولَد، كان في السماء. هو ‘‘كلمة الله’’ وهو ‘‘روح الله’’ .. كلمة وروح الله ذاته. فيسوع وحده هو المستحق أن يُدعى ‘‘ابن العليّ’’؛ لأنه هو وحده الكلمة الذي كان مع الله منذ البدء. حقاً، إن هذا لسرٌ عظيم. ولكن الأكثر من هذا، هو حقيقة عظيمة!
إن الله أرسل ابنه إلى هذا العالم، ليس كي يخلِّصنا من خطايانا وحسب، بل أيضاً ليرينا ما هي طبيعة الله وصورته. لقد أعلن يسوع لنا طبيعة شخصية الله، هنا على الأرض. فكل من رأى الابن، يعرف صورة الآب. وكل من يرى يسوع، يعرف صورة الله. فيسوع يُدعى ابن الله، لأنه جاء من الله، ولأنه يشبه الله، ولأنه كلمة وروح الله ذاته.
أصدقائي الأعزاء، سواء صدَّقنا أم رفضنا أن نصدِّق، .. فيسوع هو ابن الله الحيّ.. !

أعزائي ..
دعونا الآن نستمر في قراءة إنجيل متى، ونرى ما الذي حدث بعد أن أعلن بطرس أن يسوع هو المسيح، ابن الله الحيّ.
يقول الكتاب:
‘‘من ذلك الوقت، ابتدأ يسوع يُظهِر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم، ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم. فأخذه بطرس إليه، وابتدأ ينتهره قائلاً: حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا. فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي؛ لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس.’’ (مت 21:16-23)

هل سمعتم ما قاله يسوع للتلاميذ؟
.. فقد أخبرهم أنه ينبغي أن يذهب لأورشليم، ويعاني الكثير على أيدي الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، وأنه ينبغي أن يموت، وفي اليوم الثالث يقوم. وهكذا، أعلن يسوع أنه سيسفك دمه؛ ليدفع دين خطيتنا.

ولكن بطرس لم يستطع أن يتقبَّل أن الرب يسوع، الذي يتمتَّع بكل هذه القوة والسلطان، يسمح لحكَّام اليهود الأشرار أن يمسكوه ويعذِّبوه ويقتلوه. ولهذا، قال بطرس ليسوع: ‘‘حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا.’’ إلا أن يسوع كان يعرف أنه أتى إلى العالم؛ كي يسفك دمه كذبيحة للتكفير عن الخطية. ولهذا، قال لبطرس: ‘‘اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي؛ لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس.’’
كان يسوع يعرف لماذا جاء إلى العالم. فلقد جاء ليبذل حياته، بسفك دمه المقدس، من أجل الخطاة، .. تماماً كما سبق وتنبأ أنبياء الله منذ زمن طويل! جاء يسوع؛ كي يتمَّ فيه رمز الحمل المذبوح.
آه، يا أعزائي المستمعين، فإن كنا سنتذكر شيئاً واحداً من درس اليوم، فليكن هذا: أن يسوع المسيَّا أتى إلى العالم؛ ليموت كذبيحة، ليدفع ثمن الخطية، .. خطيتي وخطيتك! وإن شاء الله، بعد بضع حلقات من الآن، سنرى كيف تحقَّقت بكل دقة، نبوة يسوع عن موته في أور شليم.
وبالتالي، يا أصدقائي، فإن كان أحدٌ يبشِّر برسالة أخرى لا تتَّفق مع ما تنبأ به الرب يسوع وما تنبأ به الأنبياء منذ زمن طويل، فإن حقيقة موته وقيامته ستظل هي هي بلا تغيير. إن الله نفسه هو الذي قرَّر موت المسيح على الصليب، ولا أحد يستطيع أن يغيِّر قرارات الله. لقد اختار يسوع أن يموت كالذبيحة العظمى. لقد فعل هذا؛ لأنه يحبُّنا، ولا يريدنا أن نهلك.

والآن، دعونا نرى ما حدث بعد أسبوعٍ واحدٍ من إعلان يسوع لتلاميذه أنه سيسلِّم حياته ليموت في أورشليم.
يقول الكتاب:
‘‘وبعد ستَّة أيام، أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه، وصعد بهم إلى جبلٍ عالٍ منفردين. وتغيَّرت هيئته قدّامهم، وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور.’’
(مت 1:17-2)
‘‘وإذا رجلان يتكلَّمان معه، وهما موسى وإيليا. اللذان ظهرا بمجدٍ، وتكلَّما عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم. فجعل بطرس يقول ليسوع: يا رب، جيدٌ أن نكون ههنا. فإن شئت، نصنع هنا ثلاث مظال: لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليَّا واحدة.
‘‘وفيما هو يتكلَّم، إذا سحابة نيِّرة ظلَّلتهم، وصوت من السحابة قائلاً:
‘هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرت، له اسمعوا.’
‘‘ولما سمع التلاميذ، سقطوا على وجوههم، وخافوا جداً. فجاء يسوع ولمسهم وقال: قوموا ولا تخافوا. فرفعوا أعينهم، ولم يروا أحداً إلا يسوع وحده. وفيما هم نازلون من الجبل، أوصاهم يسوع قائلاً: لا تُعلِموا أحداً بما رأيتم، حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات.’’
(لو 30:9-31 ؛ متى 4:17-9)

أصدقائي المستمعين ..
هل فهمنا ما حدث على هذا الجبل العالي؟
.. لقد كان حدثاً مدهشاً وعجيباً. إذ نقرأ أن هيئة يسوع تغيَّرت، وأشرق وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور.
.. إن النور الساطع المهيب البرَّاق الذي يشع من الله، ويحيط بعرشه في السماء،
هو نفسه الذي أشرق من يسوع!
.. والنور المجيد الذي ملأ قدس الأقداس في خيمة الاجتماع في الأيام التي كان
فيها موسى وشعب إسرائيل في البرية، نفس هذا المجد .. كان في يسوع!
.. إلا أن الناس لم يستطيعوا أن يروه ..!!!
لقد كشف الله المجد المهيب الذي كان مخفيَّاً في جسد يسوع. وفي نفس اللحظة، أرسل الله نبيَّين من السماء، هما موسى وإيليَّا، ليتكلَّما مع يسوع فيما يختص بموته في أورشليم. ونقرأ أيضاً، أن سحابةً نيِّرة غطَّت الجبل، وصار صوت الله القدير من السحابة قائلاً:
.. ‘‘هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرت، له اسمعوا!’’

ويقول الكتاب:
‘‘من لا يكرم الابن، لا يكرم الآب الذي أرسله.’’ (يوحنا 23:5)
‘‘الله بعد ما كلَّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواعٍ وطرقٍ كثيرة، كلَّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه، الذي جعله وارثاً لكل شيءٍ، الذي به أيضاً عمل العالمين. الذي، وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي.’’ (عب 1:1-3)

وأنت يا من تستمع اليوم ..
.. ماذا تعتقد من جهة يسوع؟ وماذا تقول عنه؟
.. هل تؤمن أن يسوع هو رب المجد الذي أتى من السماء؟
.. أم أنك تصنِّفه كمجرد نبيٍّ من الأنبياء، كما يفعل معظم الناس في العالم؟


أعزائي المستمعين ..
قبل أن نودِّعكم اليوم، دعونا نستمع إلى بعض المقتطفات من كتابات رُسُل يسوع، بطرس ويوحنا، الذين كتبوا في الكتاب المقدس بعد بضع سنين من رؤيتهم لمجد الله، وهو يشع من يسوع على قمة الجبل.

كتب الرسول بطرس يقول:
‘‘لأننا لم نتبع خرافات مصنَّعة، إذ عرَّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كنَّا معاينين عظمته. لأنه أخذ من الله الآب كرامةً ومجداً، إذ أقبل عليه صوتٌ كهذا من المجد الأسنى: هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرت! ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلاً من السماء، إذ كنَّا معه في الجبل المقدس.’’ (2بط 16:1-18)

وكتب الرسول يوحنا يقول:
‘‘الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة أُظهِرت، وقد رأينا .. مجده، مجداً كما لوحيدٍ من الآب، مملوءً نعمة وحقاً.’’ (1يو 1:1-2 ؛ يو 14:1)

وفي نهاية إنجيله، كتب يوحنا ويقول:
‘‘وآياتٌ أُخَر كثيرة صنع يسوع قدَّام تلاميذه، لم تُكتَب في هذا الكتاب. وأما هذه، فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم، إذا آمنتم، حياةٌ باسمه.’’
(يو 30:20-31)

عزيزي المستمع ..
هل تجد هذا الكلام كله صعب الفهم؟
إن الله يريد ان يعطيك بصيرةً وفهماً لهذه الحقائق العجيبة.
.. إذ يقول الكتاب:
‘‘ولكن الإنسان الطبيعي (الذي ليس فيه روح الله) لا يتقبل أمور روح الله؛ إذ يعتبرها جهالة. ولا يستطيع أن يعرفها؛ لأن تمييزها يحتاج إلى حسٍّ روحي .. لكننا نتكلَّم بحكمة بين البالغين، ولكن بحكمة ليست من هذا العالم، ولا من عظماء هذا العالم الذين يُبطَلون. بل نتكلَّم بحكمة الله المطويَّة في سر. حكمة الله المكتومة (المحجوبة) التي سبق الله فعيَّنها قبل الدهور لمجدنا. التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا العالم. لأن لو عرفوا؛ .. لما صلبوا رب المجد!’’
(1كو 14:2 ،6-8)

أعزائي المستمعين ..
ندعوا الله أن يوضِّح لكم ما قرأناه اليوم ..
وإلى أن نلتقي في الحلقة القادمة، إن شاء الله، نرجوا أن تتأمَّلوا فيما أعلنه الله القدير على قمة الجبل عن الرب يسوع، عندما قال:
‘‘هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا.’’
(مت 5:17)
ــــــــــــ

 الدرس السادس والسبعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية