49
داود وبثشـبع

صموئيل 11،12 ؛ مزامير 51،32

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في حلقتنا السابقة، رأينا كيف أصبح داود ملكاً على إسرائيل. لقد كان داود ملكاً عادلاً ورحيماً، ويقدس كلمة الله، ويُخْلِص لها. إلا أننا سنقرأ اليوم، شيئاً عن داود، لا يسر الآذان. لقد فعل داود أمراً قبيحاً ومحتقراً في نظر الله. فقد اشتهى زوجة جاره، وزنى معها، ثم أضاف على خطيته خطيةً أخرى، بمحاولته تغطية الأولى وإخفائها.

وربما يسأل البعض: ‘‘لماذا توجد مثل هذه القصة الشنيعة والبغيضة في الكتاب المقدس؟’’ يجيب الكتاب المقدس على هذا السؤال بقوله: ‘‘لأن كل ما سبق فكُتِب، كُتِبَ لأجل تعليمنا!’’ (رو 4:15) ‘‘فهذه الأمور جميعها .. كُتِبَت لإنذارنا .. إذاً من يظن أنه قائمٌ، فلينظر أن لا يسقط!’’ (1كو 11:10-12)
ففي الكتاب المقدس، لا يخفي الله خطايا الأنبياء، لأنه يريد أن يعلمنا دروساً ثمينة من ورائها.

والآن، دعونا نرجع إلى سفر صموئيل الثاني، لنرى كيف سقط داود في الخطية. وفي الأصحاح الحادي عشر، يقول الكتاب:
‘‘وكان عند تمام السنة، في وقت خروج الملوك، أن داود أرسل يوآب وعبيده معه وجميع إسرائيل، فأخرجوا بني عمُّون، وحاصروا ربَّة. وأما داود، فأقام في أورشليم. وكان في وقت المساء، أن داود قام عن سريره، وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأةً تستحم. وكانت المرأةُ جميلةَ المنظر جداً. فأرسل داود، وسأل عن المرأة، فقال واحدٌ: أليست هذه بثشبع بنت أليعام، امرأة أوريا الحثي؟ فأرسل داود رسلاً، وأخذها، فدخلت إليه، فاضطجع معها .. ثم رجعت إلى بيتها. وحَبِلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود، وقالت: إني حُبلى.’’ (2صم 1:11-5)

ثم يصف الكتاب بعد ذلك، كيف حاول داود أن يخفي خطيته. فعندما سمع داود أن بثشبع حبلى، أرسل إلى يوآب، قائد جيشه، وأمره أن يرسل له يوريا، زوج بثشبع. أما يوريا، فقد كان رجلاً عظيماً في جيش إسرائيل. وهكذا، أرسل يوآب يوريا إلى داود.

‘‘فأتى أوريا إليه، فسأل داود عن سلامة يوآب، وسلامة الشعب، ونجاح الحرب. وقال داود لأوريا: انزل إلى بيتك، واغسل رجليك. فخرج أوريا من بيت الملك، وخرجت وراءَه حِصةٌ (أي هدية) من عند الملك. ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده، ولم ينزل إلى بيته. فأخبروا داود قائلين: لم ينزل أوريا إلى بيته. فقال داود لأوريا: أما جئت من السفر؟ فلماذا لم تنزل إلى بيتك؟ فقال أوريا لداود: إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام، وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجهِ الصحراء، وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي؟ وَحَيَاتِكَ وحيوة نفسك، لا أفعل هذا الأمر!’’ (2صم 7:11-11)
‘‘فقال داود لأوريا: أقم هنا اليوم أيضاً، وغداً أطلقك. فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده .. وفي الصباح، كتب داود مكتوباً إلى يوآب، وأرسله بيد أوريا. وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجهِ الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه، فيُضرب ويموت. وكان في محاصرة يوآب المدينة، أنه جعل أوريا في الموضِع الذي علِم أن رجال البأس فيه. فخرج رجال المدينة، وحاربوا يوآب، فسقط بعض الشعب من عبيد داود، ومات أوريا الحثي أيضاً. فأرسل يوآب، وأخبر داود بجميع أمور الحرب .. وقالوا له: قد مات عبدك أوريا الحثي أيضاً.’’ (2صم 12:11 ،14 ،15 ،16 ،17 ،21)
‘‘فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات أوريا رجلها، ندبت بعلها. ولما مضت المناحة، أرسل داود، وضمها إلى بيته، وصارت له امرأةً، وولدت له ابناً. وأما الأمر الذي فعله داود، فقبُح في عينيِ الرب.’’ (2صم 26:11-27)
‘‘وفي يوم، أرسل الرب ناثان (النبي) إلى داود. فجاء إليه، وقال له: كان رجلان في مدينةٍ واحدةٍ، واحدٌ منهما غنيٌ، والآخر فقيرٌ. وكان للغني غنمٌ وبقرٌ كثيرةٌ جداً. وأما الفقير، فلم يكن له شيءٌ إلا نعجةٌ واحدةٌ صغيرةٌ، قد اقتناها وربَّاها، وكبرت معه ومع بنيه جميعاٌ. تأكل من لقمته، وتشرب من كأسه، وتنام في حضنه، وكانت له كإبنةٍ. فجاء ضيفٌ إلى الرجل الغني، فعفا أن يأخذ من غنمه ومن بقره ليهيءَ للضيف الذي جاء إليه، فأخذ نعجة الرجل الفقير، وهيأ للرجل الذي جاء إليه.
‘‘فحمى غضب داود على الرجل جداً، وقال لناثان: حيٌ هو الرب، إنه يُقتَلُ الرجُلُ الفاعلُ ذلك، ويردُ النعجةَ أربعةَ أضعافٍ، لأنه فعل هذا الأمر، ولأنه لم يُشفِق. فقال ناثان لداود: أنت هو الرجل. هكذا قال الرب إله إسرائيل. أنا مسحتك ملكاً على إسرائيل، وأنقذتك من يد شاول، .. وأعطيتك بيت إسرائيل ويهوذا، وإن كان ذلك قليلاً، كنت أزيد لك كذا وكذا. لماذا احتقرت كلام الرب، لتعمل الشر في عينيه؟ قد قتلت أوريَّا الحثِي بالسيف، وأخذت امرأته لك امرأة، وإياه قتلت بسيف بني عمُّون. والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد، لأنك احتقرتني، وأخذت امرأة أوريا الحثي، لتكون لك امرأةً. هكذا قال الرب، هأنذا أقيم عليك الشر من بيتك، وآخذ نساءك أمام عينيك، وأعطيهن لقريبك، فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس. لأنك أنت فعلت بالسرِّ، وانا أفعل هذا الأمر قدَّام الشمس. فقال داود لناثان: قد أخطأت إلى الرب. فقال ناثان لداود: الرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك؛ لاتموتُ (أي لن تموت). غير أنه من أجل أنك قد جعلت بهذا الأمر أعداء الرب يشمتون، فالابن المولود لك يموت. وذهب ناثان إلى بيته.’’ (2صم 1:12-14)

وفي الأصحاحات التالية، يرينا الكتاب كيف تسببت هذه الخطية في متاعب عظيمة، ومآسٍ عديدة في عائلة داود. ولكن، كلمة الله تقول أيضاً: ‘‘لكن حيث كثرت الخطية، ازدادت النعمة جداً.’’ (رو 20:5) ومن ثم، سنرى في الوقت المتبقي لنا اليوم، كيف بين الله نعمته لداود، وغفر له كل خطاياه.

ولكن، لماذا غفر الله لداود كل خطاياه؟ هل رأيت كيف كان رد فعل داود، عندما قال له ناثان: ‘‘أنت هو الرجل!’’؟ لقد كان لدى نبي الله ناثان الجرأة العظيمة أن يقول مثل هذا القول لملك إسرائيل العظيم. ولكن، كيف أجاب داود ناثان؟ هل حبسه في السجن، أو قام بإعدامه، كما قد يفعل ملوك كثيرون في هذا الموقف؟ لا، لم يفعل ذلك! هل حاول داود أن يبرر خطيته بأن يقول: ‘‘إن الله أراد بها!’’ أو يقول: ‘‘إن الله صالح، وربما سيمحو أعمالي الشريرة بسبب أعمالي الصالحة!’’؟ هل أجاب داود ناثان بهذه الطريقة؟ لا، لم يفعل داود ذلك. إذاً، كيف كان رد فعل داود؟ قال داود: ‘‘لقد أخطأت!’’ .. ‘‘لقد أخطأت إلى الرب!’’

ولكي يكون لنا فهمٌ أفضل لكيف اعترف داود بخطيته أمام الرب، نحتاج أن نقرأ ما كتبه داود في المزامير، بعد ما وبخه النبي ناثان على خطيته مع بثشبع. ففي المزمور الحادي والخمسين، يقول داود:
‘‘ارحمني يا الله حسب رحمتك. حسب كثرة رأفتك، أمحُ معاصيَّ. اغسلني كثيراً من إثمي، ومن خطيتي طهِّرني. لأني عارفٌ بمعاصيَّ، وخطيتي أمامي دائماً. إليك وحدك أخطأت، والشر قدام عينيك صنعت، لكي تتبرَّر في أقوالك، وتزكو في قضائك. هأنذا بالإثم صُوِّرتُ، وبالخطية حبلت بي أمي. ها قد سُرِرت بالحق في الباطن، ففي السريرة تعرِّفُني حكمةً. طهرني بالزوفا، فأطهر. اغسلني، فأبيض أكثر من الثلج. قلباً نقياً اخلق فيَّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي. ذبائح الله هي روح منكسرةٌ. القلب المنكسر والمنسحق يا الله، لا تحتقرُه!’’ (مز 1:51 ،2)

وهكذا كانت توبة داود. لقد حزن داود حزناً عظيماً بسبب خطيته. لقد انكسر قلبه، وانسحق أمام الله. فلم يكن داود مثل أولئك الذين لهم ديانة، ولكنهم يستمرون في الخطية كل يوم. حقاً، لقد سقط داود في هوة الخطية، ولكنه لم يستطع أن يعيش فيها، لأنه أحب الله، وعرف أن ‘‘الله نورٌ، وليس فيه ظلمةٌ البتة.’’ (1يو 5:1)

ولكن، ما الذي قاله الرب على فم النبي ناثان لداود بعد توبته؟ هل قال له الله: ‘‘اذهب، اعمل بعض الأعمال الصالحة، وسوف أمحو خطاياك!’’؟ لا، لم يقل الله ذلك! لقد قال له ناثان ببساطة: ‘‘الرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك؛ لاتموتُ! (أي لن تموت)’’

وبعد هذه، كتب داود في المزامير، يصف البركة التي يتمتع بها من غفر الرب له خطاياه بلا أعمال. إذ قال داود:
‘‘طوبى للذي عُفِرَ إثمه، وسُتِرت خطيته. طوبى لرجلٍ لا يحسِبُ له الرب خطيةً، ولا في روحه غشٌ.’’ (مز 1:32-2؛ رو 7:4-8)
نعم، لقد غفر الله لداود، وحكم له بالبر! إلا أن هذا لا يعني أن الله أزال المآسي التي جلبتها خطية داود عليه. بل أن هذا يعني، أن في يوم الدينونة، لن يذكر الرب خطايا داود. فلقد محاها الرب كلها من كتابه!

لكن، كيف يمكن أن يفعل الله ذلك؟ كيف يستطيع الله أن يغفر كل خطية داود، ويظل قاضٍ عادل وبار؟ هل يستطيع الله أن ينسى بهذه البساطة، كل الشر الذي فعله داود؟ لا! إن الله هو قاضٍ عادلٌ وبار، ولا يستطيع أن يغض النظر هكذا عن خطايا بني آدم. إذاً، كيف يمكن أن يسامح الله داود، ويظل باراً؟

هل تتذكر ما قاله داود في صلاته لله، بعد ما أدرك خطيته؟ لقد صلى قائلاً: ‘‘امح معاصيَّ .. طهرني بالزوفا، فأطهر. اغسلني، فأبيض أكثر من الثلج.’’ (مز 2:51 ،7) لقد أمر الله شعب إسرائيل، أن يستخدموا غصناً من نبات الزوفا، ليرشوا به دم الذبائح. وكان الدم المرشوش، يرمز إلى ذبيحة المخلِّص الفادي الآتي، الذي سيموت طوعاً، ويسفك دمه كأجرة للخطية.

لقد غفر الله خطايا داود، لأنه تاب ـ أي رجع عن خطيته وعاد للرب ـ وآمن أن الله قادر على تطهيره من خلال عمل الفادي الآتي. وربما رفع داود صلاة لله مثل هذه:
‘‘يا رب، إني حزين بسبب خطيتي، واسألك أن تغفر لي! إني أعلم أنك تستطيع أن تغفر لي خطيتي، لأنك سترسل يوماً الفادي، الذي بلا خطية. وهو نفسه سيتحمل عني عقاب خطيتي، مرة واحدة وإلى الأبد. ولهذا ياربي، ارحمني، أنا الخاطئ! اغسلني بدم الفادي القدوس، فأصير طاهراً بالتمام!’’

ولكن، هل الله، في نعمته، غفر لداود كل خطاياه؟ هل طهَّر الله قلب داود، وحكم له أنه بار؟ نعم، لقد فعل! ولكن، علي أي أساس فعل الله هذا؟ لقد غفر الله لداود، لأنه اعترف بحالته الخاطئة أمام الله، وآمن بما وعد به الله بخصوص الفادي، الذي سيأتي ويتحمل عقاب الخطية. إن الإيمان الذي كان لدي داود في وعود الله، هو السبب الذي جعل داود يفرح، ويكتب في المزامير قائلاً:
‘‘طوبى للذي عُفِرَ إثمه، وسُتِرت خطيته. طوبى لرجلٍ لا يحسِبُ له الرب خطيةً، ولا في روحه غشٌ.’’ (مز 1:32-2؛ رو 7:4-8)


أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم. في الحلقتين القادمتين، إن شاء الله، سندرس معاً سفر المزامير المقدس، لنرى ما شهد به النبي داود عن المخلِّص الفادي، الذي سيحمل عنا عقابنا، كيما يغفر الله خطايانا إلى الأبد.

وليبارككم الله، وأنتم تتأملون في هذه الآية التي كتبها داود في المزامير، بشأن واحدة من أعظم بركات الله؛ إذ يقول:
‘‘طوبى للذي عُفِرَ إثمه، وسُتِرت خطيته. طوبى لرجلٍ لا يحسِبُ له الرب خطيةً، ولا في روحه غشٌ.’’ (مز 1:32-2؛ رو 7:4-8)
ـــــــــــــــ

 

 الدرس الخمسون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية