50
النبي داود و المَسِيَّا

مزامير 1،2

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

على مدى الأربع حلقات السابقة، كنا ندرس معاً قصة النبي داود. ورأينا كيف كان داود نبياً، وعازفاً للقيثارة، وكاتباً للترانيم، وتلميذاً لكلمة الله، وبطلاً في المعركة، وملكاً لإسرائيل، ونبياً لله. وفي حلقتنا السابقة، رأينا أن داود كان أيضاً رجلاً خاطئاً، فعل ما أغضب الله غضباً عظيماً. إلا أننا رأينا أيضاً، كيف غفر الله لداود خطاياه، لأن داود رجع عن خطاياه رجوعاً حقيقياً بقلب تائب، وآمن بما وعد به الله بخصوص المخلِّص الفادي الذي كان آتياً إلى العالم، ليحمل خطايا كل أناس العالم.

واليوم، نريد أن نتأمل في السفر العجيب، الموجود في منتصف الكتاب المقدس تماماً. هل تعرف اسم هذا السفر؟ نعم، إنه ‘‘سفر المزامير’’، أو ‘‘الزابور’’. ويحتوي سفر المزامير على مئة وخمسين اصحاحاً أو مزموراً. وعلى مدى مئات من السنين، استخدم الله أنبياء عديدين ليكتبوا المزامير، بما فيهم موسى وسليمان وآساف وأبناء قورح. إلا أن داود كتب الجزء الأكبر من هذا السفر قياساً بالكتبة الآخرين. واليوم، نريد أن نستغرق في دراسة أول مزمورين (أو أول أصحاحين) من سفر المزامير.

ويرينا المزمور الأول فئتي الناس الموجودتين في هذا العالم: أولئك الذين يسيرون في طريق البر، وأولئك الذين يسيرون في طريق الشر. وفي المزمور الأول، يقول الكتاب:
‘‘طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس. لكن في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهجُ نهاراً وليلاً. فيكون كشجرةٍ مغروسةٍ عند مجاري المياه. التي تعطي ثمرها في أوانه. وورقها لايذبل، وكل ما يصنعه ينجح. ليس كذلك الأشرار، لكنهم كالعصافة التي تذرِّيها الريح. لذلك لا تقوم الأشرار في الدين، ولا الخطاة في جماعة الأبرار. لأن الرب يَعلَم طريق الأبرار. أما طريق الأشرار، فتهلك.’’ (مز 1:1-6)

ونرى هنا طريق المباركين، وطريق الهالكين. وكل منا بالطبع، يريد أن يكون مباركاً. فلا أحد يريد أن يهلك. والله يريد أن يكون الكل مباركاً. ولكن البركة، لابد وأن تأتي من خلال طريق البركة الذي رسمه الله. وما هو هذا الطريق؟ يلخص لنا المزمور الأول هذا الطريق في فكرتين:
الأولى: لا تسلك في طريق هؤلاء الذين يستهزئون بكلمة الله.
والثانية: تأمل في كلمة الله بهدف أن تفهم طريق الخلاص الذي أسسه الله، وأن تصدقه، وأن تقبله.

فإن صدقت طريق الله للبر، وتبعته، فإن الكتاب يقول أنك ستكون ‘‘كشجرة مغروسة عند مجاري المياه’’. إذ تتأسس حياتك في الله ذاته، فتعطي ‘‘ثمرك في أوانه’’، كالمحبة والفرح والسلام. ولكن، إن لم تتبع طريق الله للبر، فإنك ستهلك ‘‘كالعصافة التي تذريها الريح’’.

والآن، دعونا ننتقل إلى المزمور الثاني. في هذا المزمور، ألهم الله داود أن يكتب عن الفادي الذي كان آتياً إلى العالم. دعونا نصغي للرسالة التي تكلم بها الله لنا عن طريق نبيه داود. يقول الكتاب:
‘‘لماذا ارتجت الأمم، وتفَكَّرَ الشعوب في الباطل؟ قام ملوك الأرض، وتآمر الرؤساءُ معاً على الرب وعلى مسيحِهِ قائلين: لنقطع قيودهما، ولنطرح عنا رُبُطهما. الساكن في السموات يضحك. الرب يستهزئُ بهم. حينئذٍ يتكلم عليهم بغضبه، ويرجفهم بغيظه. أما أنا، فقد مسحت مَلِكي على صهيون جبلِ قدسي. إني أُخبِرُ من جهة قضاء الرب. قال لي: ‘أنت ابني؛ أنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك، وأقاصي الأرض ملكاً لك. تُحطمُهُم بقضيبٍ من حديد، مثل إناء خزافٍ تُكسرُهم’. فالآن، يا أيها الملوك، تعقلوا. تأدبوا يا قضاة الأرض. اعبدوا الرب بخوفٍ، واهتفوا برعدةٍ. قبِّلوا الابن لئلا يغضب، فتبيدوا من الطريق، لأنه عن قليلٍ يتَّقِد غضبهُ. طوبى لجميع المتكلين عليه.’’ (مز 1:2-13)

هل تفهم ما أعلنه الرب الإله في المزمور الثاني؟ إنه لفي غاية الأهمية! ففي هذه الترنيمة، يعلن الله ثلاثة أسماء عجيبة للفادي الذي سيأتي إلى العالم بالخلاص لنسل آدم. هل سمعت الثلاثة أسماء؟ إنها: المسيا، والملك، والابن. دعونا نفكر قليلاً في هذه الأسماء الثلاثة، التي يشير بها الله لمخلِّص العالم.

أولاً: نرى أن الله يدعو الفادي بالـ‘‘مسيا’’. و‘‘مسيا’’ هي كلمة عبرية تعني ‘‘الممسوح من الله’’ أو ‘‘المختار من الله’’. وبهذا الاسم، ‘‘المسيا’’، كان الله يعلن لنسل آدم أنه ينبغي على الجميع أن يؤمنوا بالفادي الذي سيأتي إلى العالم، ويقبلوه، لأنه هو من اختاره الله نفسه، ليكون مخلِّصاً للعالم، ودياناً له. إلا أنه في الأعداد الثلاثة الأولى من هذا المزمور، يعلن الله بصيغة النبوة، أن معظم نسل آدم سوف يرفضون المسيا الذي سيرسله الله إلى العالم. دعونا نقرأ تلك الأعداد مرة ثانية.
‘‘لماذا ارتجت الأمم، وتفَكَّرَ الشعوب في الباطل؟ قام ملوك الأرض، وتآمر الرؤساءُ معاً على الرب وعلى مسيحِهِ قائلين: لنقطع قيودهما، ولنطرح عنا رُبُطهما.’’ (مز 1:2-3)

ولكن، لماذا يرفض أناس العالم قبول المسيا الذي أرسله الله؟ إنهم سيرفضونه، لأنه سيكون شخصاً قدوساً، غير ملطخ بالخطية، إذ يقول الكتاب:
‘‘لأن كل من يعمل السيآت يُبغِض النور، ولا يأتي إلى النور، لئلا توبَّخ أعماله.’’ (يو 20:3)
وهكذا، كان الله يتنبأ في هذه الأعداد، كيف سيعمل اليهود وأمم هذا العالم معاً محاولين أن يهلكوا هذا القدوس، الذي سبق الله واختاره، ليكون مخلِّص العالم وديانه. ولكن الله كان يعرف كل ما يمكن أن يفعله الأشرار. ومن ثمَّ، خطَّط الله أن يستخدم خطط الإنسان الشريرة، كي ما يحقق خطته البارة لفداء الخطاة. ولهذا يقول الكتاب: ‘‘الساكن في السموات يضحك. الرب يستهزئُ بهم.’’ (مز 2:4)
وهكذا، فإن الاسم الأول الذي أعطاه الله للفادي في هذا الأصحاح، أو المزمور، هو ‘‘المسيا’’. وربما تكون مهتماً أن تعرف أن الكلمة العبرية ‘‘مسيا’’، هي نفسها الكلمة اليونانية ‘‘المسيح’’. وكلتاهما تعنيان ‘‘المختار من الله’’.

ثانياً: أما الاسم الثاني، فهو ‘‘الملك’’. فالمسيا هو أيضاً ‘‘الملك’’. وبهذا الاسم، يريد الله أن يعلم الجميع أن المسيا سيكون في النهاية ديَّاناً لهذا العالم وملكاً عليه، حتى بالرغم من أن معظم الناس سوف ترفضه. ففي يوم الدينونة العظيم، سيجثو أمامه الجميع، لأنه هو الذي اختاره الله، ليكون ملك الملوك ورب الأرباب. ومن ثم، فالمسيا إما سيكون مخلِّصك أو ديَّانك، لأنه ـ سواء قبلت أم أبيت ـ هو الملك، الذي اختاره الله ليملك إلى الأبد.

ثالثاً: سمعنا في هذا المزمور، اسماً ثالثاً، أعطاه الله للمسيا. وهو اسمٌ ينبغي أن نفكر فيه بكل الحرص. إنه ‘‘الابن’’. وقبل أن نشرح ما الذي يعنيه هذا الاسم، ربما ينبغي علينا أن نتذكر أن كل ما كتبه داود في المزامير، كتبه بالحكمة التي منحها له الله. ويجب علينا ايضاً أن نتذكر أن في كتابات الأنبياء، توجد أشياءٌ من الصعب فهمها، إلا أن ذلك لا يمنع كونها صحيحة. إن الله يحذرنا في كلمته قائلاً: أن الكتب ‘‘.. فيها أشياءُ عسرة الفهم، يُحَرِفها غيرُ العلماءِ وغير الثابتين، كباقي الكتب أيضاً، لهلاك أنفسِهِم.’’ (2بط 16:3)
فالجهل هو شيء فظيع، خاصةً إذا ما تعلَّق بالمسيا الذي اختاره الله، ليخلِّص نسل آدم من الهلاك الأبدي!

دعونا نرجع مرة أخرى للمزمور الثاني. ففي الآية السابعة من هذا المزمور، نقرأ أن المسيا يقول: ‘‘إني أُخبِرُ من جهة قضاء الرب. قال لي: أنت ابني؛ أنا اليوم ولدتك.’’ (مز 7:2) هل تسمع ما يقوله الرب للمسيا؟ إنه يقول: ‘‘أنت ابني؛ أنا اليوم ولدتك.’’ هل تعلم لماذا دعا الله المسيا ‘‘ابنه’’؟ هل تعلم ماذا يعنيه هذا الاسم؟ نأمل أن جميعكم يعلمون ماذا لا يعنيه هذا الاسم. إنه لا يعني أن الله اتخذ له زوجة، وانجب منها ابناً! فإن هذه الفكرة هي تجديف! فالله روح، وهو لا ينجب أبناءً كما يفعل البشر.

إذاً، لماذا يقول الله للمسيا: ‘‘أنت ابني!’’؟ ونستطيع أن نشكر الله، لأنه هو ذاته أخبرنا عن السبب. ولا يسعنا الوقت اليوم، كي ما نتعمق في هذا الموضوع، ولكن، نود أن نعطيكم ثلاثة أسباب، أو بمعنى أصح ‘‘ثلاثة أفكار’’، من كتابات الأنبياء، تعلل لنا لماذا دعا الله المسيا ‘‘ابنه’’.

أولاً: لابد أن نعلم أن الله دعا المسيا ابنه، لأن المسيَّا جاء من فوق، أي من السماء. وكل من يؤمن بكتابات الأنبياء، يعلم أن المسيا لم يُولد بمشيئة رجل بل جاء من محضر الله. فكما تعلمون، إن المسيا لم يكن له أبٌ أرضيٌّ. ففيما يتعلق بوجوده الأرضي، فقد جاء من نسل داود، لأن المسيا ولد من امرأة عذراء، كانت من نسل الملك داود. ولكن من جانب أبيه، فإن المسيا جاء مجيئاً فريداً من روح الله. ولهذا السبب، يستطيع الله أن يقول له: ‘‘أنت ابني، أنا اليوم ولدتك!’’

ثانياً: دعا الله المسيا ‘‘ابنه’’، لأن الكتب المقدسة تقول أن الله والمسيا يتشاركان نفس الطبيعة. فالابن على صورة أبيه. فقد كان لابد للفادي الموعود أن يكون طاهراً وقدوساً، تماماً كما أن الله طاهرٌ وقدوس. ولا يمكننا أن نتعمق في هذه الفكرة، أكثر من هذا الآن. ولكن عندما نأتي لدراسة الإنجيل، سنرى كيف لم يكن المسيَّا مثل أبناء آدم المدنسين بالخطية! فكما رأينا مسبقاً، فإن حتى أعظم الأنبياء، ارتكبوا الخطية. ولكن المسيا لم يخطئ أبداً. فلقد كان دائماً يفعل إرادة الله.
لقد كان ضرورياً أن يكون المسيا بلا خطية، حيث أنه قد أتى إلى العالم، لكي ينقذ الخطاة من خطيتهم! فهل يستطيع المدينين بديونٍ عظيمة، أن يدفعوا ديون الآخرين؟ لا بالطبع، لا يستطيعون! إن المسيَّا لم يكن عليه أي دَيْن من الخطية. فالكتاب المقدس يدعوه:
‘‘قدوسٌ بلا شرٍ ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السماوات.’’ (عب 26:7) نعم، لقد كان الفادي قدوساً، تماماً كما أن الله الذي أرسله، هو قدوس! لهذا لا يخجل الله أن يدعوه ‘‘ابنه’’.

ثالثاً: علينا أن نعرف أن الله دعا المسيا ‘‘ابنه’’، لكي يميزه من كل الأنبياء. فلقد رأينا مسبقاً، كيف دُعيَ إبراهيم ‘‘خليل الله’’. و دُعيَ النبي موسى ‘‘رجل الله’’. أما داود، فقد قال الله عنه: ‘‘وجدت داود بن يسى رجلاً بحسب قلبي’’. ولكن، لأيٍّ من الأنبياء قال الله: ‘‘أنت ابني؛ أنا اليوم ولدتك’’؟ هذا لا يمكن أن يقال إلا للمسيَّا، لأن المسيَّا هو الوحيد الذي أتى من فوق، والذي وُلِد من عذراء، والذي لم يتنجس بالخطية.

وأنتم يا من تستمعون اليوم ..
.. هل تعرفون ‘‘المسيَّا’’ ‘‘الملك’’ الذي يدعوه الله ‘‘ابنه’’؟ إن الله يريد أن يعرف الجميع المسيَّا، ويستمعوا له، ويؤمنوا به، ويقبلوه. ولهذا السبب، ختم النبي داود هذا المزمور بقوله:
‘‘فالآن، أيها الملوك، تعقلوا. تأدبوا يا قضاة الأرض. اعبدوا الرب بخوفٍ، واهتفوا برعدةٍ. قبِّلوا الابن لئلا يغضب، فتبيدوا من الطريق، لأنه عن قليلٍ يتقد غضبهُ. طوبى لجميع المتكلين عليه.’’ (مز 1:2-13)

أصدقائي المستمعين ..
فلنكتفِ بهذا القدر اليوم. وفي الحلقة القادمة بإذن الله، سوف نتأمل معاً في مزمورٍ عظيمٍ آخر، كتبه النبي داود في سفر المزامير.

وليبارككم الله، وأنتم تتأملون بعمق في ما كتبه النبي داود في المزامير، قائلاً:
‘‘فالآن، .. تعقلوا .. وتأدبوا .. اعبدوا الرب بخوفٍ، واهتفوا برعدةٍ. قبِّلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق، لأنه عن قليلٍ يتقد غضبهُ. طوبى لجميع المتكلين عليه.’’ (مز 1:2-13)
ــــــــــــ
 

 الدرس الحادي والخمسون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية