أحلى عيد ميلاد


أبى لم يكن يتعاطف مع الكسالى أو أولئك الذين كانوا يبذرون مواردهم المالية ويصبح بعد ذلك ليس معهم ما يكفي احتياجاتهم . ولكن بالنسبة للذين هم في مسيس الحاجة حقيقة  ، كان قلبه كبيرا حتى يتسع للجميع . ومن والدي تعلمت أنا أن أكبر سعادة في الحياة تأتي من العطاء ، وليس من الأخذ .
كانت ليلة عشية الميلاد عام 1881 . وكنت وقتها أبلغ من العمر 15 عاما وأشعر كما لو كان العالم كله قد وضع فوق كتفى ، وذلك بسبب عدم وجود النقود الكافية لدينا لشراء الهدية التى كنت أريدها بشدة هدية لهذا العيد .كنا قد انتهينا مبكرا من أداء الأعمال المطلوبة . وأنا كنت أعلم إن أبي يريد وقتا إضافيا قليل لكي ما نقرأ فى الكتاب المقدس . ولذلك بعد انتهاء العشاء خلعت أنا حذائي وتمددت أمام المدفأة فى انتظار أن يحضر بابا الكتاب المقدس القديم .  كنت ما زلت أشعر بالأسى والرثاء على نفسي ، و للأمانة لم يكن مزاجي هذه الليلة مناسبا لقراءة الكتاب المقدس . ولكن بابا لم يحضر الكتاب المقدس ، ولكنه بدلا من القراءة ، ارتدى ملابسه وخرج الى خارج المنزل . ولم أتصور لماذا يذهب. انني أستطيع أن أقول إننا لا نخرج العربة التزلج الكبيرة إلا عندما يكون هناك حمل كبير سنقوم بنقله . كان بابا جالسا في المقعد . وكنت ساعتها غير سعيد على الإطلاق .وعندما ركبت أنا العربة ، قادها بابا حول المنزل وتوقف أمام مخزن الأخشاب . ثم نزل من العربة وتبعته أنا. وقال " إننا سنحتاج الى جوانب العربة العالية، فهيا ساعدني  .جوانب العربة العالية !! إذا فهذا عمل أكبر مما كنت أتوقع باستخدام جوانب العربة العادية ، ومهما كان ما سنقوم بعمله ، فإنه سيكون أكبر بكثير ما دمنا استخدمنا هذه الجوانب العالية .
وعندما انتهينا من تغيير جوانب العربة ، دخل بابا الى حظيرة الخشب وخرج مالئا يديه بحمل من الخشب  الخشب الذي كنت قد قضيت طوال فصل الصيف وأنا اسحبه من فوق الجبل ، وبعد ذلك قطعته الى كتل تم تقسيمها هي الأخرى . . ترى ما الذي يفعله بابا ؟ وأخيرا  نطقت أنا قائلا " بابا ما الذي تفعله ؟ "
فسألنى " ألم تكن لدى الأرملة جانسين مؤخرا ؟ " . الأرملة جانسين كانت تعيش على بعد حوالى ميلين منا ، وكان زوجها قد توفى منذ عام تقريبا وتركها هي و3 أطفال ، كان أكبرهم في الثامنة  وأنا أفكر خلالها ما الذي يفعله بابا . فلم يكن يملك الكثير بالمقاييس الأرضية . بالطبع كان لدينا كوم كبير من الخشب وإن كان الباقي منه الآن في صورة كتل كبيرة . أصبح عليَّ أن أنشرها ثم أقطعها الى قطع صغيرة قبل أن نقدر على استخدامها . وكان عندنا أيضا  لحما ، ودقيقا حتى أنه يمكننا تقديم ما أحضره بابا ، ولكني كنت أعرف أنه ليس لدينا أية نقود ، ولذلك تسائلت لماذا أشترى بابا لهم أحذية وحلوى ؟ حقيقة لماذا فعل هو أي شيء من هذا ؟ ، فالسيدة جانسين بجوارها جيران أقرب منا . ولم يكن من المفترض أن تكون موضع اهتمامنا نحن  .وصلنا لبيت السيدة جانسين وذهبنا للناحية المظلمة منه وأنزلنا الأخشاب في هدوء  تام ، ثم أخذنا اللحوم والدقيق والأحذية واتجهنا للباب . ثم قرعنا الباب . فتح الباب قليلا وتسائل صوت مرتجف " من الذي على الباب " فأجاب بابا " أنه أنا لوكاس ميلز و معي ابني متى . هل يمكننا الدخول لوقت قليل ؟ ".
فتحت السيدة جانسين الباب وسمحت لنا بالدخول . كانت تجلس وحول كتفيها تلف بطانية ، والأطفال ملفوفين فى بطانية أخرى والجميع جالسين أمام المدفأة التى بها نار قليلة بالكاد تعطي قليل من قفة والدموع منسابة فوق وجنتيها ، وقلبها ممتلئ بالعرفان بالجميل حتى أنها لم تستطع الكلام . أحسست أن قلبي قد صار أكبر داخلي ونفسي امتلأت فرحا لم أعهده من قبل. لقد مر عليَّ أعياد ميلاد من قبل، لكن لم يحدث فيها من قبل مثل هذا التغيير الذي بداخلي . لقد رأيت أننا حرفيا كأننا ننقذ حياة هؤلاء الناس .وحالا حصلنا على نار متوهجة بينما أرواحنا تحلق عاليا. وبدأ الأطفال في القهقهة عندما أعطى بابا قطعة حلوى لكل واحد منهم ، وارتسمت ابتسامة عريضة على وجه السيدة جانسين ربما لم ترتسم على وجهها منذ فترة طويلة ، وفى النهاية نظرت نحونا وقالت " الله يبارككم ، أنا اعرف أن الرب ذاته هو الذي أرسلكم . فقد كنا أنا والأطفال نصلي أن يرسل لنا ملاك من ملائكته لينقذنا . "وبالرغم مني، عاد إحساسى بشيء في حلقى وانسابت الدموع متفجرة من عيناي مرة أخرى، لم أكن أفكر في بابا بهذه الصفات من قبل ولكن عندما ذكرتها السيدة جانسين أحسست أنها في الغالب محقة. فأنا متأكد أنه ما من رجل وجد على الأرض أفضل من بابا. وتذكرت المرات العديدة التى تعب فيها مغييرا  طريقه من أجلي ومن أجل ماما ، أيها الأخ ميلز . وبدون أن أقول " الرب يباركك ، فأنا متأكدة أنه سيفعل ."خارجا ونحن فى العربة ، أحسست أنا بدفء ينبع من الأعماق الداخلية ، ولم ألاحظ حتى البرد الخارجي . وعندما ابتعدنا التفت بابا لي وقال " متى، أنا أريدك أن تعرف شيئا. أنا وماما كنا طوال العام نوفر مالا قليلا من هنا وهناك ، حتى نشترى لك الهدية التى تريدها ، ولكننا لم نستطع توفير المبلغ المطلوب . ولكن بالأمس حضر أحدهم ليسوي دين قديم كان قد اقترضه مني منذ سنوات . وهذا الأمر استثارنا أنا و ماما ، وفكرنا أنه أصبح من الممكن لنا أن نشتري لك الهدية ، وذهبت للمدينة هذا الصباح لأشتريها لك . ولكن فى طريقي لذلك شاهدت جاكي الصغير يحفر حول كومة الخشب بقدميه الملفوفتان بالخيش ، وعلمت وقتها ما الذي ينبغي علي فعله . وهكذا يا ولدي صرفت هذه النقود لشراء الأحذية والحلوى لهؤلاء الأطفال . وأنا أرجو منك أن تتفهم هذا ."من ناحيتي أنا تفهمت الأمر واغرورقت عيناي بالدموع مرة أخرى . تفهمت جدا ما فعله أبي وأحسست بالفخر لأنه فعل لذلك . وأصبحت لحظتها الهدية ليست من أولوياتي . فقد أعطاني أبي ما هو أكثر من تلك الهدية.



 

Back

رجوع الى الصفحة الرئيسية