93
مراجعة - الجزء الأول:
آدم .. ومشكلة الخطية!

الجزء الأول:
تكوين 1-4

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البرِّ الذي أسَّسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدِّم لكم حلقة أخرى من برنامجكم .. ‘‘طريق البر’’!

كنا على مدي فترة طويلة ندرس معاً كتابات الأنبياء. ورأينا أن الله أوحى إلى أكثر من أربعين شخصاً على مدى ألف وخمسمئة عام، أن يكتبوا كلمته، أي الكتاب الذي يكشف طريق البِر الذي يتبرَّر به الخطاة أمام الله. واكتشفنا أن أنبياء الله الحقيقيين تكلَّموا عن فكرة واحدة ورسالة واحدة، في ما يخص طريق الخلاص. وما كتبوه، لم يأتِ من أذهانهم الشخصية، وإنما أوحى به روح الله إليهم.
وبعون الله، ننوي اليوم وعلى مدى ثلاث حلقاتٍ أُخَر، أن نُكثِّف كل ما درسناه في الكتاب المقدس. وعنوان درسنا اليوم هو .. ‘‘مشكلة الخطية’’!

والآن، دعونا نعود إلى الأساس الذي وضعه الله نفسه، ممثَّلاً في الجزء الأول من كلمته، أي التوراة، الذي وضعه الله في ذهن موسى، نبيِّه. هل يمكنكم أن تتذكَّروا أول آية فيه؟
إنها تقول: ‘‘في البدء، خلق الله السموات والأرض.’’
وفي هذه الآية، رأينا أن في البداية، قبل أن يُخلَق العالم والملائكة والبشر، لم يكن موجوداً إلى الله وحده. فهو رب الأزل والأبد، الروح السرمدي. ليس له بداية، ولا نهاية. هو القادر على كل شيء، والذي يرى كل شيء، ويعلم كل شيء.

وفي الأصحاح الأول، نقرأ كيف خلق الله في ستة أيام، السماء والأرض والمحيطات وكل ما فيها. إذ كان الله يُعِدُّ الأرض للإنسان، الذي كان يخطِّط أن يخلقه . ولهذا، قال الله في اليوم السادس:
‘‘لنعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى جميع الدبَّابات التي تدب على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته ..’’ (تكوين 26:1 ،27)

إن الإنسان هو أهم المخلوقات التي خلقها الله. فقد خلقه الله على صورته! إذ كان الله يخطِّط أن يكون له علاقة عميقة ورائعة مع الإنسان. ولهذا، وضع الله في نفس الرجل والمرأة:
.. روحاً كي يعرفا الله،
.. وقلباً كي يحبا الله،
.. وعهد إليهما بإرادةٍ حرة كي ما يختارا بكامل حريتهما أن يطيعا الله أو يعصياه.

وفي الأصحاح الثاني، نقرأ أن الله وضع الرجل الأول، آدم، في جنةٍ يانعةٍ، مليئة بالأشجار التي تحمل ثماراً جميلةً للنظر، ولذيذةً للمذاق. ورأينا أيضاً أن الله شكَّل امرأةً من ضلعٍ أخذه من آدم، ثم قدَّمها له. ودعاها آدم باسم ‘‘حواء’’. وبارك الله الرجل والمرأة، وأعطاهما كل ما يحتاجانه.
إلا أن الله كان يريد منهما شيئاً. فما هو هذا الشيء الذي كان يريده الله من هذين اللذين خلقهما على صورته؟ لقد أرادهما أن يحباه من كل فكرهما، ومن كل قلبهما، ومن كل إرادتهما، فيكون لهما علاقة عميقة وجميلة معه للأبد. ومن ثمَّ، رأينا كيف وضع الله اختباراً أمامهما، ليكشف ما كان في قلبيهما. فأعطى الله آدم هذه الوصية، قائلاً:
‘‘من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً. وأما شجرة معرفة الخير والشر، فلا تأكل منها؛ لأنك يوم تأكل منها، موتاً تموت.’’ (تكوين 16:2 ،17)
وهكذا، اختبر الله آدم، محذِّراً إياه أن عاقبة الحَيَدان عن شريعة الله هي الموت، الذي هو الانفصال الكامل عن الله للأبد.
وفي الأصحاح الثالث، يروي لنا الكتاب أن الشيطان، وهو الملاك الذي تمرَّد ضد الله، جاء يوماً إلى آدم وحواء في صورة حية ماكرة. وقال للمرأة:
‘‘أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة. فقالت المرأة للحية من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة، فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمسَّاه، لئلا تموتا. فقالت الحية للمرأة: لن تموتا! بل الله عالمٌ أنه يوم تأكلان منه، تنفتح أعينكما، وتكونان كالله عارفَين الخير والشر.’’ (تكوين 1:3-5)

ولكن، ماذا قال الله لآدم وحواء أنه سيحدث لهما إذا أكلا من الشجرة التي حرَّمها الله؟ قال الله لهما: ‘‘ستموتا!’’. وماذا قال الشيطان؟ لقد قال: ‘‘لن تموتا!’’. وكلمة مَن التي اختارها آدم وحواء ليطيعاها؟ هل اختارا كلمة الله، أم كلمة الشيطان؟ لقد اختارا كلمة الشيطان، عدو الله.

وماذا فعل الله بعد ذلك؟ هل جلس يراقب آدم وحواء؟ لا. لقد فعل تماماً ما حذَّرهما منه أنه سيفعله. إذ دعاهما وأدانهما ولعنهما ولعن الأرض، ثم وضعهما خارج الجنة التي خلقها لهما. في هذا اليوم المحزن، مات آدم وحواء في نفسيهما. إذ أصبحا مفصولَين عن الله، مصدر الحياة. وأصبح الشيء الوحيد الذي يتوقَّعانه، هو الموت الجسدي والعقاب الأبدي؛ لأن أجرة الخطية هي الموت الأبدي، كما قال الله.

حقاً، إن الخطيةَ هي كارثةٌ رهيبة. إذ أنه بخطيةٍ واحدة، انفصل آدم وكل نسله من بعده، عن الله. إن الخطية مثل ذلك المرض الذي يُسمَّى ‘‘الإيدز’’. فالإيدز، كما تعرفون، هو مرض ينشره الناس فيما بينهم. وهو كارثة تعم العالم. فإذا دخل فيروس الإيدز جسم الإنسان، فإنه لا يتركه أبداً. ومن الممكن أن ينقل مرضى الإيدز العدوى إلى أطفالهم. إن مرض الإيدز هو مرضٌ قاتل، وهو يدمِّر كل المصابين به. وكذلك الحال مع الخطية. فالخطية في كل مكان، وفي كل شخص، وتجعل الإنسان يهلك إلى الأبد. ولكن شكراً لله، أن هناك فرقاً بين مرض الخطية ومرض الإيدز. فمرض الإيدز، ليس هناك دواءٌ ناجعٌ له حتى الآن. ولكن هناك علاجٌ للبشر المصابين بالخطية. لقد أعدَّ الله بنفسه علاجاً، إذا ما استخدمناه، فإنه يطهِّرنا إلى الأبد من الخطية.

هل نستطيع أن نتذكَّر الوعد العجيب الذي أعطاه الله في اليوم الذي أخطأ فيه آدم وحواء؟
نعم، في نفس اليوم الذي دخلت فيه الخطية، وعد الله أنه سيرسل إلى العالم الفادي القدوس، الذي سيفدي نسل آدم من القوة المدمِّرة للشيطان والخطية. وقرأنا أيضاً أن الله أعلن أن الفادي سيُولَد بصورةٍ فريدةٍ، إذ يُولَد من امرأةٍ عذراء. لأن مخلِّص الخطاة لا يمكنه أن يأتي من نسل آدم الذي تلوَّث بالخطية. بل يجب أن يأتي من روح الله الطاهر القدوس.

وهكذا، رأينا في الإنجيل، أن بعد مرور آلاف من السنين على وعد الله أنه سيرسل المخلِّص، أي عندما جاء ملء الزمان، وُلِد في العالم رجلٌ كاملُ البر، ليس له أبٌ أرضي، وُلِد من عذراء. وكان اسمه ‘‘يسوع’’، الذي يعني ‘‘الله يخلِّص’’. نعم، إن يسوع المسيح هو المخلِّص القدوس، الذي وعد به الله في اليوم الذي أخطأ فيه آدم وحواء. إنه المخلِّص الوحيد..!

دعونا الآن نعود إلى مراجعتنا لأحداث ذلك اليوم الذي دخلت فيه الخطية إلى العالم. هل تتذكَّرون ما فعله آدم وحواء بعد أن أكلا من شجرة معرفة الخير والشر؟ لقد خاطا أوراق التين معاً، وربطاها على وسطيهما، محاولين أن يخبِّئا عُريَهما؛ لأنهما قبل أن يخطئا، كانا عريانين دون أن يخجلا.
ولكن، هل قبِل الله الملابس التي صنعاها لأنفسهما؟ لا. فلماذا لم يقبل الله تلك الملابس؟ لقد أراد الله أن يعلِّمهما أنه لا يوجد هناك ما يمكن أن يصنعه الإنسان ليخفيَ عار خطيته أمام الله. إلا أن الله صنع شيئاً من أجل آدم وحواء. إذ رأينا كيف اختار الله بعض الحيوانات البريئة، وذبحها، وسلخها، وصنع منها ملابس لآدم وحواء، وألبسهما إياها. وبهذه الطريقة علَّم الله آدم وحواء أن أجرة الخطية هي موت. فالله لم يذبح الحيوانات وحسب، بل أمر آدم ونسله أن يقدِّموا حيوانات بلا عيب كذبائح للتكفير عن الخطية، حتى يأتي اليوم الذي يرسل الله فيه الفادي!

وهكذا، أراهم الله بوضوح أن هناك طريقاً واحداً فقط للخلاص: وهو طريق الذبيحة الكاملة، الذبيحة التي بلا عيب. إن طريق البر الذي أمر به الله، يأمر بأنه يتعيَّن على الإنسان أن يختار حيوانات بلا عيب، ويقدِّمها كذبيحةٍ للتكفير عن الخطية. وكانت هذه الذبائح ترمز إلى الفادي القدوس، الذي سيأتي ويسفك دمه على الصليب؛ ليدفع دين خطية نسل آدم. وبالتالي، فعن طريق هذه الذبائح الحيوانية، وضع الله أمام الخطاة ظِلاً أو صورةً باهتةً ليسوع المسيَّا الذي سيموت كذبيحةٍ كاملةٍ لغفران الخطية. وبهذه الطريقة، بيَّن الله أنه بار، ‘‘.. ليكون باراً، ويبرِّر من هو من الإيمان بيسوع.’’ (رومية 26:3)

وفي الأصحاح الذي يلي قصة خطية آدم، ووَعْد الله العجيب بإرسال الفادي، نقرأ عن ابني آدم الأوَّلَين: قايين وهابيل. ورأينا أن هابيل قدَّم لله حملاً بلا عيب كذبيحةٍ للتكفير عن الخطية، تماماً كما أمر الله. أما قايين، فحاول أن يقترب إلى الله بمجهوداته الشخصية، إذ أحضر إليه ما قد زرعه في الأرض الملعونة. ومن ثم، يقول الكتاب:
‘‘فنظر الرب لهابيل وقربانه؛ ولكن إلى قايين وقربانه، لم ينظر.’’ (تكوين 4:4، 5)
ولكن، لماذا لم يقبل الله ذبيحة قايين؟ إن طريق البر الذي أمر به الله، كما رأينا، ينص على أنه ‘‘بدون سفك دم، لا تحصل مغفرة.’’ (عبرانيين 22:9) إلا أن قايين تجاهل طريق الذبيحة الذي وضعه الله. وتظاهر قايين أنه يؤمن بالله، إلا أن أعماله كانت تُنكِر هذا؛ لأنه لم يقدِّم ذبيحة الدم التي أمر بها الله. ولهذا السبب، رفض الله ذبيحة قايين. إلا أن ذبيحة هابيل وجدت نعمة في عيني الله، فغفر الله له كل خطاياه؛ لأن هابيل آمن بكلمة الله، وأحضر إليه دم حمل.

ويرمز هابيل إلى أولئك الذين يحتسبهم الله أبراراً؛ بسبب إيمانهم بالمسيَّا يسوع، الذي سفك دمه ليدفع أجرة الخطايا. أما قايين، فيرمز إلى أولئك الذين يحاولون أن يتبرَّروا أمام الله بمجهوداتهم الشخصية، رافضين قبول ذبيحة الفادي، التي أرسلها الله من السماء.
وحتى يومنا هذا، ليس هناك إلا هذان الطريقان: طريق هابيل، وطريق قايين!
فأي الطريقين تتبع .. عزيزي المستمع؟
هل قبلت طريق هابيل، الذي هو طريق البر المؤسَّس على ذبيحة المسيَّا القدوس الذي أرسله الله من السماء؟ أم مازلت تسير في طريق قايين، طريق عدم البر، الذي يعتمد على أعمال الإنسان، ومتطلَّبات الدين؟

أعزائي المستمعين ..
اعلموا أن الله بار، ولا يطيق الخطية. فهل كان الله يستطيع أن يقول لآدم وحواء، وقايين وهابيل، وكل نسلهم: ‘‘انظروا! إني أعرف أنكم أخطأتم، ولكن لا عليكم! إنه ليس أمراً كبيراً! سأتناسى أنكم أخطأتم!’’ هل كان ممكناً أن يغفر الله الخطية بهذه الطريقة؟ بالطبع لا! فإن فعل الله كذلك، فكيف يدرك الخطاة قداسته؟ إن الله قاضٍ عادلٌ وبار، ولا بد أن يعاقب الخطية؛ لأن أجرة الخطية هي موت! ولهذا كان ينبغي أن يأتي الفادي، ليموت من أجل خطايانا. فعندما مات الفادي على الصليب، دفع أجرة خطيتي وخطيتكم.

اسمعوا معي المكتوب في الإنجيل عن ‘‘طريق البر’’ الذي رسمه الله. يقول الكتاب:
‘‘بإنسانٍ واحدٍ (أي آدم) دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية دخل الموت. وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس؛ إذ أخطأ الجميع.’’ (رومية 12:5)
‘‘.. لأنه لا فرق، إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله، وتبرَّروا مجاناً بنعمة (الله)، عن طريق الفداء الذي جاء بيسوع المسيح. الذي قدَّمه الله كفارة، بالإيمان بدمه. وذلك ليُظهر برَّه، بالصفح عن الخطايا السالفة، بإمهاله. لإظهار برِّه في الزمان الحاضر، ليكون باراً، ويبرِّر من هو من الإيمان بيسوع.’’ (رومية 22:3-26)
‘‘أجرة الخطية هي موت. وأما هبة الله، فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا.’’
(رومية 23:6)

أعزائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم ..!
وفي الحلقة القادمة، إن شاء الله، سنستمر في مراجعتنا لرسالة الأنبياء، ونتذكَّر كيف دعا الله إبراهيم ليكون جزءاً من خطة الله العجيبة في إرسال المخلِّص إلى العالم ..
وليبارككم الله، وأنتم تتأمَّلون في هذه الآية من كلمة الله، والتي تستطيع أن تغيِّر حياتكم، إذ يقول الكتاب:
‘‘أجرة الخطية هي موت. وأما هبة الله، فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا.’’
(رومية 23:6)
ــــــــــــ

 الدرس الرابع  والتسعون  | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية