81
العشـاء الأخير

متى 26

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

كما يعرف معظمكم، أننا في رحلتنا عبر الكتب المقدسة، ندرس الآن كتاب الإنجيل، الكتاب المقدس الذي يخبرنا بالخبر السار عن يسوع المسيا. إن يسوع هو الفادي القدوس الذي جاء إلى العالم؛ ليخلِّص نسل آدم من سلطان الشيطان. لقد كان الفادي مختلفاُ جداً عن كل البشر. فهو الكلمة الذي كان مع الله في البدء، ثم ظهر على الأرض كإنسان. لقد كان يسوع فريداً في شخصيته؛ لأنه وُلِد بطبيعة قدُّوسة، فلم يخطئ أبداً. وكان فريداً أيضاً في أعماله؛ إذ لم يصنع أحدٌ آيات كما صنع هو. فقد كان للرب يسوع سلطان على إبليس وشياطينه، الريح والبحر، والمرض والموت. وكان فريداً أيضاً في تعاليمه؛ إذ أن حتى أعداءه قالوا عنه: ‘‘لم يتكلم قط إنسان مثل هذا الإنسان!’’ (يوحنا 46:7)

نعم، كان يسوع المسيح فريداً في مولده، وطبيعته، وأعماله، وتعاليمه. ولكن هذا كله لم يجعل الجميع يدركون أنه المخلِّص الذي جاء من السماء. إذ أن معظم نسل آدم لم يفهموا من هو يسوع حقاً. فاعتبروه نبياً، ولكنهم لم يفهموا أن الله ذاته هو الذي جاء ليزورهم ويفتقدهم! أما عن حكام اليهود الدينيين، فإنهم لم يفشلوا فقط في إدراك حقيقة يسوع، بل تآمروا عليه معاً ليقتلوه! وفي حلقتنا السابقة، رأينا كيف وبَّخ يسوع الحكام الدينيين ومعلمي الناموس (أي الكتبة) على ريائهم وشرِّهم. إلا أن ما وجَّهه يسوع إليهم من كلمات، لم يجعلهم يتوبون. ففي الواقع، لم يكن الحكام الدينيون مشغولين إلا بفكرة واحدة، الا وهي: أن يسوع لابد وأن يُقتَل!

لقد كان الرب يسوع يعرف أنه سيموت في أورشليم، وأن أولئك الحكام الدينيين هم الذين سيقتلوه. وهكذا، رأينا يسوع وهو يخبر تلاميذه أن الكهنة والكتبة سيحكمون عليه بالموت. ويسلِّموه للرومان، ليسخروا منه، ويتفلون على وجهه، ويضربوه، ويسمِّروه على صليب. ولكن بعد ثلاثة أيام، سيقوم من الأموات! وهكذا، تنبأ يسوع بموته على صليب، وبقيامته من القبر. إن يسوع لم يعلن كيفية موته ومكان موته وحسب، بل وأعلن أيضاً ميعاد موته، كما سنرى في الأصحاح الذي أمامنا اليوم.

والآن، دعونا نستمر في قراءة إنجيل متى، الأصحاح السادس والعشرين، لنرى كيف أعدَّ يسوع لصلبه. تقول كلمة الله:
‘‘ولما أكمل يسوع هذه الأقوال كلها، قال لتلاميذه: تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح، وابن الإنسان يُسلَّم ليصلب.’’ (متى 1:26-2)

هل سمعتم ما قاله يسوع لتلاميذه؟ لقد أعلمهم أن نسل آدم سيسمِّروه على صليب في يوم عيد الفصح. حقاً، هذا الأمر هام جداً. ففي دراستنا في التوراة، تعلَّمنا عن يوم الفصح. وكان الفصح يأتي في الشهر الأول من التقويم اليهودي، أي في شهر مارس وأبريل (الذي يعرفه الغرب بعيد الإيستر). كان اليهود، كل سنة في هذا الاحتفال، يتذكَّرون ما حدث في أيام موسى، عندما كان شعب إسرائيل عبيداً عند فرعون مصر القاسي. في تلك الأيام، حكم الله في دينونته العادلة وخطته العظيمة، على كل بكر ذكر في مصر، بالموت. ولكن الله دبَّر طريقة للخلاص، لأولئك الذين صدَّقوه وأطاعوه. إذ أوصى الله كل عائلة إسرائيلية أن تذبح خروفاً بلا عيب، ويأخذوا دمه، ويجعلوه على أبواب بيوتهم. لأن الله كان قد وعدهم، قائلاً: ‘‘وأرى الدم، وأعبر عنكم.’’ (خروج 13:12) وفعل شعب إسرائيل كما أمرهم الله. وبالتالي، خلَّص الله أبكارهم من الموت. وهكذا، فداهم الله بدم خروف.

ولمدة ألف وخمسمئة عام، كان اليهود يذبحون خرافاً كل عام في عيد الفصح. وذلك، كي يتذكَّرون كيف خلَّصهم الله من ضربة الموت التي ضرب بها أرض مصر. إلا أن الله لم يكن هدفه مجرَّد جعلهم ينظرون إلى الوراء، ليتذكروا ما حدث وحسب. ولكن بواسطة تلك الخراف المذبوحة، كان الله يريدهم أيضاً أن ينظروا إلى الأمام، ويتوقَّعون اليوم الذي سيسفك المسيا فيه دمه على الصليب. إن الدم الذي سيسفكه المسيا سيخلِّص الخطاة من الضربة التي هي تفوق كل الضربات الأخرى، التي هي نار جهنم الأبدية! إذ أن موت الفادي على الصليب سيكون هو الذبيحة النهائية الكاملة التي تطلَّبها ناموس الله. إن الله، في حكمته، دبَّر أن يسفك الفادي دمه في يوم عيد الفصح، متمماً بهذا رمز خروف الذبيحة. وهكذا، تمَّم يسوع الفادي الخطة التي صممها الله ليخلِّص الخطاة من دينونته العادلة البارة.

والآن، دعونا نرجع إلى قراءة الإنجيل، مبتدئين من العدد الذي قرأناه للتو.
يقول الكتاب:
‘‘ولما أكمل يسوع هذه الأقوال كلها، قال لتلاميذه: تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح، وابن الإنسان يُسلَّم ليصلب. وحينئذ اجتمع رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب إلى دار رئيس الكهنة الذي يُدعى قيافا. وتشاوروا لكي يمسكوا يسوع بمكرٍ، ويقتلوه. ولكنهم قالوا: ليس في العيد، لئلا يكون شغب في الشعب. .. حينئذ، ذهب واحد من الاثني عشر، الذي يُدعى يهوذا الإسخريوطي، إلى رؤساء الكهنة. وقال: ماذا تريدون أن تعطوني، وأنا أسلِّمه إليكم؟ فجعلوا له ثلاثين من الفضة. ومن ذلك الوقت، كان يطلب فرصة ليسلِّمه.’’ (متى 1:26-5 ؛ 14-15)

‘‘وفي اليوم الأول من الفطير، حين كانوا يذبحون الفصح، قال له تلاميذه: أين تريد أن تمضي ونُعِدَّ لنأكل الفصح؟ فأرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما: اذهبا إلى المدينة، فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء، اتبعاه. وحيثما يدخل، فقولا لرب البيت: إن المعلِّم يقول: أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي؟ فهو يريكما عُلِّية كبيرة مفروشة معدَّة هناك. هناك أعدَّا لنا. فخرج تلميذاه، وأتيا إلى المدينة، ووجدا كما قال لهما. فأعدَّا الفصح.’’ (مر 12:14-16)

‘‘ولما كانت الساعة، اتكأ والاثنا عشر رسولاً معه. وقال لهم: شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد، حتى يُكمَل في ملكوت الله.’’ (لوقا 14:22-16)
‘‘وفيما هم متكئون يأكلون، قال يسوع: الحق أقول لكم، إن واحد منكم يسلِّمني. الآكل معي. فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحداً فواحداً: هل أنا؟ وآخر: هل أنا؟ فأجاب وقال لهم: هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة. إن ابن الإنسان ماضٍ كما هو مكتوب عنه. ولكن ويلٌ لذلك الرجل الذي به يسلَّم ابن الإنسان. كان خيراً لذلك الرجل لو لم يُولَد.’’ (مر 18:14-21)
‘‘فأجاب يهوذا مسلِّمه وقال: هل أنا هو يا سيدي؟ قال له: أنت قلت.’’ (متى 25:26)
‘‘فذاك لما أخذ اللقمة، خرج للوقت. وكان ليلاً.’’ (يوحنا 30:13)
‘‘وفيما هم يأكلون، أخذ يسوع خبزاً، وبارك وكسر وأعطاهم وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور من أجلكم. اصنعوا هذا لذكري. ثم أخذ الكأس وشكر وأعطاهم، فشربوا منها كلهم. وقال لهم: هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفَك من أجل كثيرين.’’ (مرقس 22:14-24)

هذا هو المكتوب في الإنجيل فيما يتعلَّق بالعشاء الأخير الذي تناوله يسوع مع تلاميذه، قبل أن يسفك دمه كذبيحة لمحو الخطية. وقد أعلم يسوع تلاميذه الاثني عشر، أن واحداً منهم سيخونه. كان هذا هو ‘‘يهوذا الإسخريوطي.’’ ففي عيون الناس، كان يهوذا رجلاً أميناً، ولكن في قلبه، لم يكن يهوذا يهتم إلا بالمال وبأمور العالم. ولهذا، ذهب يهوذا إلى رئيس الكهنة، وقال له: ‘‘ماذا تريدون أن تعطوني، وأنا أسلِّمه إليكم؟’’ وهكذا، عدَّ له الكهنة ثلاثين قطعة من الفضة، وأعطوها له. وقد حدث هذا، ليتم ما سبق أن تنبأ به زكريا النبي قبل ذلك بمئات السنين، عندما كتب أن المسيا سوف يًخان ويُسلَّم بثلاثين قطعة من الفضة. (أنظر زكريا 12:11،13)

إلا أن أهم ما قرأناه الآن، هو ما قاله يسوع عندما تشارك الخبز والكأس مع تلاميذه. هل سمعتم ما قاله لهم؟ دعونا نقرأه ثانية. يقول:
‘‘وفيما هم يأكلون، أخذ يسوع خبزاً، وبارك وكسر وأعطاهم وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور من أجلكم؛ اصنعوا هذا لذكري. ثم أخذ الكأس وشكر وأعطاهم، فشربوا منها كلهم. وقال لهم: هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين.’’ (مرقس 22:14-24)

وهكذا نرى أن يسوع وضع أمام تلاميذه رمزين: رمز الخبز، ورمز الكأس. فالخبز، الذي كسره يسوع وأعطاه لتلاميذه، كان يرمز إلى جسده الذي كان سيبذله كذبيحة. أما الكأس المملوء بعصير العنب، فكان يرمز إلى الدم الذي كان سيسفكه يسوع المخلِّص؛ ليدفع دين خطية نسل آدم، كي ما يعيشون في محضر الله إلى الأبد.

وهكذا، علَّم يسوع تلاميذه، من خلال رمز الخبز ورمز الكأس، أن السبب الذي من أجله جاء إلى العالم هو لكي يضع حياته، الممثَّله في جسده ودمه، كذبيحة للخطاة. فكما أن كل من يعيش على الأرض لا بد وأن يتناول الطعام والماء كي ما يبقى حياً، هكذا أيضاً كل من يريد أن يحيا للأبد في السماء مع الله، يجب أن يؤمن أن يسوع المسيح بذل جسده ودمه ليعطينا حياة أبدية. فالرب يسوع المسيح هو الوحيد الذي يستطيع أن يعطينا حياة أبدية؛ ودمه الذي سفكه هو علاج الله الوحيد ليفدينا من اللعنة التي جلبتها الخطية.

أعزائي المستمعين ..
إن كنا سنتذكر شيئاً واحداً من درس اليوم، فليكن هذا: أن يسوع المسيح جاء إلى العالم ليحمل حمل الخطية. هذه هي رسالة أنبياء الله. وهذا هو معنى الخروف الذي قدَّمه إبراهيم ذبيحة بدلاً من ابنه. إن طريق الغفران هو طريق الذبيحة الكاملة. فالله يستطيع أن يغفر لنا خطايانا من خلال ذبيحة الفادي القدوس، الذي سفك دمه من أجلنا. فلآلافٍ من السنين، كان الله يتطلَّب ذبائح حيوانية كي يستطيع أن يغض نظره عن خطايا نسل آدم. هذا هو العهد القديم، الذي عَهِد الله به لأنبيائه. إلا أن يسوع المسيح هو الذي جاء بالعهد الجديد. وهو الذي جاء ليتمم رمز الذبيحة الحيوانية. فيسوع المسيح نفسه هو خروف الفصح الذي ذُبِح، حتى كل من يؤمن به يخلص من دينونة الله العادلة. ولهذا يقول الكتاب المقدس:
‘‘لأن فصحنا، المسيح، قد ذُبِح لأجلنا.’’ (1كو 7:5)
‘‘لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطيةً لأجلنا؛ لنصير نحن برَّ الله فيه.’’ (2كو 21:5)

إن دم يسوع غير محدود في قيمته. فلنسمع ما تقوله كلمة الله عن قوة دم يسوع. يقول الكتاب:
‘‘دم يسوع المسيح .. يطهِّرنا من كل خطية!’’ (1يو 7:1)
‘‘عالمين أنكم أُفتُدِيتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلَّدتموها من الآباء. بل بدم كريم، كما من حملٍ بلا عيب ولا دنس، دم المسيح. معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم، ولكن قد أُظهِر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم، أنتم الذي به تؤمنون بالله الذي أقامه من الأموات، وأعطاه مجداً، حتى إن إيمانكم ورجاءكم هما في الله.’’ (1بط 18:1-21)

أعزائي المستمعين ..
فلنتأمل جيداً فيما سمعناه وقرأناه اليوم؛ لأن الله يريد أن يعطيكم بصيرة في هذه الحقائق العظيمة. وفي حلقتنا القادمة، بإذن الله، نَوَد أن نكمل قصة العشاء الأخير، ونرى كيف القى الحكام الدينيين القبض على يسوع؛ كي يقتلوه.

وليبارككم الله وأنتم تتأملون في المعنى العميق والبركة العظيمة اللذين تحتويهما هذه الآية من كلمته:
‘‘دم يسوع المسيح .. يطهرنا من كل خطية!’’ (1يو 7:1)
ــــــــــ

الدرس الثاني والثمانون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية