63
الابـن القـدُّوس

لوقا 2 ؛ متى 3،4

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله، رب السلام، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه، وأن يخضعوا لهذا الطريق، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في دراستنا الأخيرة في كتاب الإنجيل المقدس، سمعنا قصة ميلاد المسيَّا المثيرة. وعرفنا أنه لم يكن هناك من وُلِد كولادة المسيَّا. فلقد وُلِد من عذراء، بقوة روح الله، في بلدة بيت لحم، تماماً كما قالت النبوة.
وفي الليلة التي وُلِد فيها يسوع، أرسل الله جمهور من الملائكة في مجد عظيم، لجماعة من الرعاة، كانوا يحرسون حراسات الليل على رعيتهم في الحقول التي حول بيت لحم. وقال لهم واحد من الملائكة:
‘‘ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. أنه وُلِد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الرب.’’ (لو 10:2 ،11)

ونود اليوم أن ندرس معاً عن يسوع في زمن طفولته، وفي زمن رشده. ويوضِّح لنا كتاب الإنجيل أن بعد ميلاد يسوع، أنجب يوسف ومريم أربعة أبناء وبعض البنات. وهكذا، كبر الطفل يسوع مع اخوته الصغار، في بيت مزدحم في شمال فلسطين، في بلدة الناصرة. إن يوسف لم ينجب يسوع، كما تعلمون؛ ولكن في نظر الآخرين، كان يسوع ابن يوسف. ولمَّا كان يوسف نجاراً، عمل يسوع كنجارٍ مع أبيه، أثناء ما كان يعيش معه في البيت. ومن ثمَّ، اعتاد يسوع على العمل الشاق. وهكذا، يقول الكتاب:
‘‘وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس.’’ (لو 52:2)
ومثل كل الأطفال، كان الطفل يسوع يأكل وينام ويلعب ويدرس. غير أنه كان هناك شيئاً جعله مختلفاً عن غيره من الأطفال. هل تعلمون ماذا كان هذا الشيء؟
هذا الشيء كان .. أن يسوع لم يفعل خطية أبداً!
.. فلم تخرج من فمه كلمة غير لائقة. (1بط 22:2)
.. لم يقل لأي إنسان: ‘‘سامحني على خطأي!’’؛ وذلك، لأنه لم يخطئ في حق أحد.
.. لم يستطع أن يفعل خطية؛ لأنه لم يكن للخطية جذرٌ فيه!
.. كانت له طبيعةٌ قدوسةٌ، وطبعٌ مقدسٌ.
.. لم يكن الشر جزءً منه؛ فلم يكن يفعل إلا ما يسر الله.
.. كان له جسدٌ ماديٌّ مثلنا، لكن لم يكن له طبيعة شريرة كطبيعتنا!
.. وهذا ما يعلنه لنا الكتاب، عندما يقول:
‘‘لأنه ليس لنا رئيسُ كهنة (أي وسيط أو قائد روحي) غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرَّبٌ في كل شيء مثلنا، بلا خطية!’’ (عب 15:4)

وعندما كان يسوع في الثلاثين من عمره، حان الوقت ليبدأ عمله (أي خدمته وإرساليته) كمخلِّص للعالم. وفي يوم، ودَّع يسوع عائلته، وترك بلدة الناصرة، واتجه إلى نهر الأردن، حيث كان النبي يوحنا (أو يحيى كما هو مذكور في القرآن) يعظ الناس، ويعمِّدهم في الماء.

هل تتذكَّرون يوحنا؟ وهل تتذكَّرون كيف وُلِد يوحنا قبل يسوع بستة أشهر؟
لقد كان يوحنا هو النبي الذي أرسله الله ليعدَّ قلوب الناس؛ كي يتوبوا عن خطاياهم، ويقبلوا المسيَّا الذي أرسله الله، ويرحبوا به.
.. اسمعوا معي لما هو مكتوب في الإنجيل عن النبي يوحنا، وكيف أعدَّ الطريق للمسيَّا!

في إنجيل متى، والأصحاح الثالث، يقول الكتاب:
‘‘وفي تلك الأيام، جاء يوحنا المعمدان يكرز في بريَّة اليهودية. قائلاً: توبوا، لأنه قد اقترب ملكوت السموات. فإن هذا هو ما قيل عنه بإشعياء النبي القائل: صوتُ صارخٍ في البرية: أعدُّوا طريق الرب؛ اصنعوا سبله مستقيمةً. ويوحنا هذا، كان لباسه من وبر الإبل، وعلى حقويه مِنطَقةٌ من جلد. وكان طعامه جراداً وعسلاً برياً. حينئذٍ، خرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن. واعتمدوا منه في الأردن، معترفين بخطاياهم.’’ (مت 1:3-6)

دعونا نتوقف هنا للحظة؛ لنتأمل فيما نقرأه.
.. هل سمعتم رسالة يوحنا؟
باختصار، كان يوحنا يكرز قائلاً:
‘‘توبوا عن خطاياكم! ارجعوا عن أعمالكم الشريرة، واستعدوا لتقابلوا المسيَّا
القدوس، الذي أتى لكم من السماء!’’
وأولئك الذين اعترفوا بخطاياهم أمام الله، عمَّدهم يوحنا في النهر. وهكذا، أصبح يوحنا يُعرَف باسم ‘‘يوحنا المعمدان’’. ولم تكن المعمودية بالماء تستطيع أن تغسل خطايا الناس. ولكنها كانت مجرد علامة خارجية تُظهِر أنهم تابوا عن خطاياهم، وأنهم أصبحوا مستعدين لقبول المسيَّا كمخلِّص.

بعضٌ من هؤلاء الذين استجابوا لرسالة يوحنا واعتمدوا منه، كانوا ينتمون إلى أشهر جماعتين لليهود في هذا الوقت، وهما جماعة ‘‘الصدوقيين’’، وجماعة ‘‘الفريسيين’’.
.. وكان ‘‘الصدوقيون’’ أكثر اليهود ثراءً، وكان لهم نفوذٌ كبير في الحكومة الرومانية. ولكنهم كانوا في قلوبهم، لا يعبأون بكتب الأنبياء.
.. أما ‘‘الفريسيون’’، فكانوا خبراء في الدين، وغيورين جداً في الصلاة والصوم والعطاء ودفع العشور. غير أن عبادتهم كانت بلا قيمة؛ لأنهم كانوا يحاولون أن يتبرروا أمام الله بمجهوداتهم الشخصية. كما أنهم خلطوا كلمة الله بتقاليدهم. ومن ثمَّ، أصبحت عبادتهم لله لا تزيد عن مجرد استعراضٍ برَّاق، مصحوبٍ بالاحتقار لأولئك الذين لم ينتموا لجماعتهم.
.. وبالاختصار، كان الفريسيون والصدوقيون يكرمون الله بشفاهم فقط، أما قلوبهم فكانت مبتعدةً عنه بعيداً.

والآن، دعونا نستمر في قراءة الإنجيل، ونسمع كيف وبّخ يوحنا خبراء الدين أولئك، من أجل ريائهم. يقول الكتاب:
‘‘فلما رأى يوحنا كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون إلى معموديته، قال لهم: يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي. فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة. ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم: لنا إبراهيم أباً! لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم.
‘‘والآن، قد وُضِعَت الفأس على أصل الشجر. فكلُّ شجرةٍ لا تصنع ثمراً جيداً، تُقطع وتُلقى في النار. أنا أعمدكم بماءٍ للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي، هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رَفْشُه في يده، وسينقِّي بَيْدَرَه، ويجمع قمحه إلى المخزن. وأما التبن، فيحرقه بنارٍ لا تُطفأ!
‘‘حينئذٍ، جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا، ليعتمد منه. لكن يوحنا منعه قائلاً: أنا محتاجٌ أن أعتمد منك، وأنت تأتي إلىَّ؟ فأجاب يسوع وقال له: اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كلَّ برٍ. فحينئذٍ، سمح يوحنا له.’’
(مت 7:3-15)

وهكذا، عمَّد يوحنا الرب يسوع في نهر الأردن!
وربما يتساءل البعض قائلين:
.. ‘‘ولكن لماذا طلب يسوع من يوحنا أن يعمِّده، وهو الذي بلا خطية؟’’
صحيح، أن الرب يسوع لم يحتاج أن يتوب عن أي شيء، لأنه لم يرتكب أي خطيةٍ قط. فلماذا إذن، أتى يسوع إلى يوحنا ليعمِّده، بينما كان يوحنا يعمِّد الخطاة؟
أصدقائي، .. ما الذي قاله يسوع بشأن هذا؟
قال يسوع ليوحنا: ‘‘اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برٍ.’’ فبمعمودية يسوع، لم يضع يسوع مثالاً لنا لنتبعه وحسب، بل كان يرينا أنه جاء ليحيا كواحدٍ منا، ويموتَ من أجلنا.

وفي نهاية الأصحاح، يقول الكتاب:
‘‘فلما اعتمد يسوع، صعد للوقت من الماء. وإذا السموات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلاً مثل حمامةٍ، وآتياً عليه. وصوتٌ من السموات قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرت.’’ (مت 16:3-17)

أصدقائي، .. من هذا الذي دوَّى صوته من السماء؟ .. إنه الله!
.. وما الذي قاله الله؟ .. قال الله ليسوع: ‘‘هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرت!’’
ولقد قرأنا فيما سبق في الكتاب، كيف دعا النبي داود والملاك جبرائيل، المسيَّا، ‘‘ابن الله’’. والآن نسمع الله نفسه يدعو يسوع: ‘‘ابني الحبيب!’’ فلماذا دعا الله يسوع ‘‘ابنه’’؟
أن يسوع، كما سبق ورأينا، دُعِيَ ابن الله لأنه جاء مباشرة من السماء. فيسوع، لم يكن له أبٌ أرضي؛ بل وضع الله كلمته الأبدية في رحم امرأة. وهنا نرى سبباً آخر، من أجله دُعِي يسوع ‘‘ابن الله’’. فلقد دعاه الله ‘‘ابنه’’؛ لكي يفصله ويميِّزه عن جميع الآخرين.

.. ولكن، كيف يختلف يسوع عن بقية نسل آدم؟
إن كل من انحدر من آدم، له طبيعة ملوثة بالخطية، أما يسوع فطبيعته لم تتلوث بالخطية قط. فلم يكن فيه خطية واحدة؛ وذلك، لأنه أتى من روح الله القدوس. لقد أتخذ المسيَّا جسداً مثلنا، ولكنه لم يأخذ طبيعتنا الخاطئة. كان له طبيعة قدوسة كاملة! ولهذا، استطاع الله القدوس أن يُسَر بيسوع، كما يُسَر أبٌ بابنه المطيع الأمين.
يقال أن الابن هو صورة أبيه. فكل من يرى الابن يعرف شكل الأب. وبالمثل، فكل من يعرف يسوع، يعرف صورة الله؛ لأن يسوع هو الوحيد الذي أتى من الله ليُظهِر طبيعته. لم يرَ أحد قط الله، ولكن المسيَّا جعل الله معروفاً للجميع!
إن يسوع هو الإنسان الوحيد الذي كان له طبيعة قدوسة؛ لأنه هو الوحيد الذي أتى من روح الله القدوس! ولهذا، لا يخجل الله أن يدوِّي بصوته من السماء قائلاً: ‘‘هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرت.’’

وفي الجزء المتبقِّي من حلقة اليوم، سنبدأ في قراءة الأصحاح الرابع، لنرى ما حدث بعد أن عمَّد يوحنا يسوع.
.. يقول الكتاب:
‘‘ثم أُصعِد يسوع إلى البرية من الروح، ليُجَرَّب من إبليس. فبعد ما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة، جاع أخيراً.
‘‘.. فتقدَّم إليه المجرِّب، وقال له: إن كنت ابن الله، فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً. فأجاب وقال: مكتوبٌ، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله.
‘‘.. ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل. وقال له: إن كنت ابن الله، فاطرح نفسك إلى أسفل. لأنه مكتوبٌ: أنه يوصي ملائكته بك؛ فعلى أياديهم يحملونك، لكي لا تصدم بحجر رجلك. فقال له يسوع: مكتوبٌ أيضاً: لا تجرب الرب إلهك.
‘‘.. ثم أخذه أيضاً إبليس على جبل عالٍ جداً، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها. وقال له: أعطيك هذه جميعها، إن خررت وسجدت لي. حينئذٍ قال له يسوع: إذهب يا شيطان. لأنه مكتوبٌ: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد.
‘‘.. ثم تركه إبليس، وإذا ملائكةٌ قد جاءت، فصارت تخدمه.’’ (مت 1:4-11)
ثلاث مرَّات، حاول الشيطان أن يغري يسوع ليطيعه ويخطئ. وفي المرات الثلاث، أجاب يسوع إبليس مقتبساً من كلمة الله. فكما أغرى إبليس آدم وحواء كي يخطئا في جنة الفردوس، هكذا أيضاً، حاول إبليس أن يغري يسوع كي يخطئ في البرية.
.. ولكن يسوع لم يخطئ!

.. ولكن، لماذا حاول إبليس أن يغري يسوع ويجرِّبه؟
لأنه كان يعرف أن يسوع هو المخلِّص القدوس الذي أتى من السماء كي يخلِّص نسل آدم من سلطان إبليس. وكان إبليس يعرف أيضاً، أنه إذا أخطأ يسوع، ولو خطية واحدة، لما استطاع يسوع أن يخلِّص نسل آدم من سلطانه. ولهذا، راح إبليس يطارد يسوع محاولاً أن يخدعه. .. ولكن يسوع، لم يقع في شرك إبليس!

نعم، إن الشيطان انتصر على آبائنا آدم وحواء، وأفسدهم، ولكنه لم يستطع أن ينتصر على ابن الله. فالرب يسوع، لم يستطع أن يخطئ، لأن الله لا يمكن أن يخطئ. ‘‘فمن شابه أباه، فما ظلم’’ ـ كما يقول المثل. لقد كان يسوع هو كلمة الله الحيَّة القويَّة المتجسِّدة في جسد إنسان. أرسله الله للعالم؛ كي يخلِّص نسل آدم من سلطان الشيطان، وعقوبة الخطية. إن الرب يسوع وحسب، هو من يستطيع أن يخلِّصنا من الشيطان والخطية؛ لأنه هو الوحيد الذي انتصر على الشيطان والخطية. .. ولهذا يقول الكتاب:
‘‘لأنه كان يليق بنا رئيسُ كهنةٍ مثل هذا، قدوسٌ بلا شرٍ ولا دنسٍ، قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السموات. الذي ليس له اضطرار كل يوم، مثل رؤساء الكهنة، أن يقدِّم ذبائح، أولاً عن خطايا نفسه، ثم عن خطايا الشعب؛ لانه فعل هذا مرةً واحدة، إذ قدَّم نفسه.’’ (عب 26:7-27)

أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم! .. وفي الحلقة القادمة بإذن الله، سندرس معاً السبب الذي جعل تلاميذ النبي يوحنا يتركونه، ويتبعون يسوع.
.. وليعطكم الله البصيرة والفهم لما قرأناه اليوم!
.. وليبارككم الله، وأنتم تتأملون في هذه الآية من الكتاب المقدس. يقول الكتاب:
‘‘إن يسوع المسيح أُظهِر لكي يرفع خطايانا، وهو ليس فيه خطية!’’
(1يو 5:3)
ــــــــــــ

 الدرس الرابع والستون  | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية