47
داود وجُلْيـات

صموئيل الأول 17 ؛ مزمور 27

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في الحلقة السابقة، بدأنا دراستنا عن النبي داود. ذاك الذي شهد الله عنه قائلاً: ‘‘وجدت داودَ بن يَسَّى رجلاً حسب قلبي، الذي سيصنع كل مشيئَتي.’’ (أع 22:13) ورأينا كيف عين الله داود، ليكون الملك الثاني لإسرائيل. وذلك، لأن الملك الأول شاول، لم يُطِعْ كلمة الله. إلا أن داود لم يصبح ملكاً لإسرائيل في اليوم الذي عينه فيه الله. لقد كان لازال شاباً، ولم يكن قد حان الوقت الذي رسمه الله له، ليعتلي عرش المملكة. وبعد مسح داود ملكاً، عاد داود للحقول خارج بيت لحم، ليرعى غنم أبيه.

واليوم، سنقرأ معاً قصة مدهشة، ترينا كيف كان الله مع داود لأنه سار مع الله. واسم درسنا اليوم، هو ‘‘داود وجليات’’. دعونا الآن نستمر في قراءة سفر صموئيل الأول، والأصحاح السابع عشر. يقول الكتاب:
‘‘وجمع الفلسطينُّيونَ جيوشهم للحرب .. واجتمع شاول ورجال إسرائيل، ونزلوا في وادي البطم، واصطفوُّا للحرب للقاء الفلسطينّيين. وكان الفلسطينّيين وقوفاً على جبلٍ من هنا، وإسرائيل وقوفاً على جبلٍ من هناك، والوادي بينهم. فخرج رجلٌ مبارزٌ من جيوشِ الفلسطينّيين، اسمه جليات، من جَتَّ، طولُهُ ستُّ أذرعٍ وشبرٌ. وعلى رأسه خوذةٌ من نحاسٍ، وكان لابساً درعاً حرشفيّاً، ووزن الدرع خمسة آلاف شاقل نحاسٍ. وجزموقا نحاسٍ على رجليه، ومزراق نحاسٍ بين كتفيه. وقناة رُمحه كنولِ النساجين، وسنانُ رُمحه ستُّ مئةِ شاقل حديدٍ، وحاملُ التُّرسِ كان يمشي قدامه. فوقف ونادى صفوف إسرائيل، وقال لهم: لماذا تخرجون لتصطفُّوا للحربِ؟ أما أنا الفلسطينيُّ، وأنتم عبيدٌ لشاول؟ اختاروا لأنفسكم رجلاً، ولينزل إليَّ. فإن قَدِر أن يحاربني ويقتلني، نصير لكم عبيداً. وإن قدرتُ أنا عليه وقتلته، تصيرون أنتم لنا عبيداً تخدموننا. وقال الفلسطينىُّ: أنا عيَّرتُ صفوف إسرائيل هذا اليوم؛ أعطوني رجلاً فنتحارب معاً. ولما سمع شاول وجميع إسرائيل كلام الفلسطينيّ هذا، ارتاعوا وخافوا جداً. (1صم 1:17-11)

وبينما كان جليات يعيِّر إسرائيل، كان داود يرعى غنم أبيه في سلام، بعيداً عن ساحة الحرب، يتأمل في كلمة الله، يعزف على قيثارته مرنماً للرب. إلا أن داود كان له ثلاثة أخوة أكبر منه عمراً، كانوا جنوداً في جيش إسرائيل. وفي يومٍ، جاء إليه أبوه، وقال له: ‘‘اذهب وافتقد سلامة أخوتك في ساحة الحرب، وعد لتخبرني كيف تسير الأمور.’’ ومن ثم، ترك داود غنمه مع راعٍ آخر، واستيقظ مبكراً، وذهب إلى ساحة الحرب.

وبينما كان داود يتكلم مع أخوته في ساحة الحرب، خرج جوليات بطل الفلسطينيين، من بين صفوفهم، وواجه جنود إسرائيل، وهدَّدهم وعيَّرهم، كما كان يفعل على مدى أربعين يومٍ سابقة. وجميع رجال إسرائيل، لما رأوه، هربوا منه، وخافوا جداً. فقال أحد رجال إسرائيل: ‘‘أرأيتم هذا الرجل؟ إنه يظل يتحدانا ويعيِّرنا. فيكون أن الرجل الذي يقتله، يغنيه الملك غنىً جزيلاً، ويزوجه ابنته، ويجعل بيت أبيه حراً في إسرائيل، فلا يحتاج أن يدفع جزية للملك.’’

فقال داود: ‘‘من هو هذا الفلسطيني الأغلف، حتى يعيِّر صفوف الله الحي؟’’ وعندما قال داود هذا، حمي غضب أخيه الأكبر عليه، وقال: ‘‘لماذا نزلت إلى هنا؟ ومع من تركت تلك الغنيمات القليلة في البرية؟ أنا علمت لماذا جئت إلى هنا. إنك تريد أن ترى الحرب!’’ إلا أن واحداً من جنود إسرائيل كان قد سمع كلمات داود الشجاعة والجريئة بخصوص هذا العملاق، فذهب وأبلغ بها الملك شاول. فاستحضر شاول داود، واستجوبه.

وهكذا، يقول الكتاب:
‘‘فقال داود لشاول: لا يسقط قلب أحدٍ بسببه. عبدك يذهب، ويحارب هذا الفلسطينيَّ. فقال شاول لداودَ: لا تستطيع أن تذهب إلى هذا الفلسطينيّ لتحاربه، لأنك غلامٌ وهو رجل حربٍ منذ صباه. فقال داود لشاول: كان عبدك يرعى لأبيه غنماً، فجاء أسدٌ مع دبٍّ، وأخذ شاةً من القطيع. فخرجت وراءه، وأنقذتها من فيِهِ، ولما قام عليَّ، أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته. قتل عبدك الأسد والدب جميعاً. وهذا الفلسطينيُّ الأغلف يكون كواحدٍ منهما، لأنَّه قد عيَّر صفوف الله الحيّ. وقال داود: الرَّبُ الذي أنقذني من يد الأسد ومن يد الدبّ، هو ينقذني من يد هذا الفلسطينيّ. فقال شاول لداود: اذهب، وليكن الربُّ معك. وألبس شاول داود ثيابه، وجعل خوذةً من نحاسٍ على رأسه، وألبسه درعاً. فتقلد داود سيفه فوق ثيابه، وعزم أن يمشي، لأنه لم يكن قد جرَّب. فقال داود لشاول: لا أقدر أن أمشي بهذه، لأنّي لم أجربها. ونزعها داود عنه.
‘‘وأخذ داود عصاه بيده، وانتخب له خمسة حجارةٍ ملسٍ من الوادي، وجعلها في كنف الرعاة الذي له، أي في الجراب، ومقلاعهُ بيده، وتقدم نحو الفلسطينيّ. وذهب الفلسطينيُّ ذاهباً، واقترب إلى داود، والرَّجل حامل التُرس أمامه. ولما نظر الفلسطينيُّ لداود ورأى داود، استحقره، لأنه كان غلاماً وأشقر جميل المنظر. فقال الفلسطيني لداود: ألعلّي أنا كلبٌ حتى أنك تأتي إليَّ بعصيٍّ؟ ولعن الفلسطينيُّ داود بآلهته. وقال الفلسطينيّ لداود: تعال إليَّ، فأعطي لحمك لطيور السماء ووحوش البرّيَّةِ.
‘‘فقال داود للفلسطينيّ: أنت تأتي إليَّ بسيفٍ وبرمحٍ وبترسٍ، وأنا آتي إليك باسم رب الجنود، إله صفوف إسرائيل الذين عيَّرتهم. هذا اليوم يحبسك الربُّ في يدي، فأقتلك وأقطع رأسك، وأعطي جثث جيش الفلسطينيين هذا اليوم لطيور السماء وحيوانات الأرض، فتعلم كل الأرض أنه يوجد إلهٌ لإسرائيل. وتعلم هذه الجماعة كلها أنَّه ليس بسيفٍ ولا برمحٍ يخلّصُ الربّ، لأنَّ الحرب للرب، وهو يدفعكم ليدنا.
‘‘وكان لما قام الفلسطينيُّ وذهب وتقدم للقاء داود، أسرع داود وركض نحو الصَّفِّ للقاء القلسطينيَّ. ومد داود يده إلى الكِنفِ، وأخذ منه حجراً، ورماه بالمقلاع، وضرب الفلسطينيَّ في جبهته، فارتزَّ الحجر في جبهته، وسقط على وجهه إلى الأرض. فتمكَّن داود من الفلسطينيِّ بالمقلاع والحجر، وضرب الفلسطينيَّ وقتله. ولم يكن سيفٌ بيد داود. فركض داود، ووقف على الفلسطينيِّ، وأخذ سيفه واخترطه من غمده، وقتله وقطع به رأسه. فلما رأى الفلسطينيون أن جبَّارهم قد مات، هربوا. فقام رجال إسرائيل ويهوذا، وهتفوا، ولحقوا الفلسطينيين حتَّى مجيئكَ إلى وادي عقرون.’’ (1صم 32:17-52)

وهكذا، نرى اليوم، كيف خلَّص داود الصغير شعبه من أعدائه بمقلاع وحجر، وإيمانٍ راسخٍ في الإله الحي. حقاً، إن قصة داود وجليات لقصة عجيبة، وفيها لنا دروس هامة كثيرة.

وقد رأينا كيف كان شاول وجنود جيش إسرائيل خائفين خوفاً عظيماً من جليات. إذ لم يجرؤ أحدهم أن يحاربه، ولكن داود لم يكن خائفاً منه، بل راح وطرحه أرضاً وقتله! ولكن لماذا كان شاول وجنوده خائفين، في حين لم يكن داود كذلك؟ ماذا كان الفرق بين داود وجنود إسرائيل؟ يمكننا تلخيص الفرق بينهما بهذه الطريقة:
ـ لم يكن داود خائفاً من العملاق، لأنه كانت لديه ثقة عظيمة في الرب الإله.
ـ أما شاول وجنوده، فلم يكن لديهم أي ثقة فيه. ولهذا، كانوا خائفين من العملاق.

فلم يرَ شاول وجنوده إلا العملاق القوي. أما داود فقد رأى الله الكلي القوة والجبروت! لقد كان لدى شاول وجنوده نوعٌ من الإيمان، إلا أن هذا لم يؤدي إلى أن يكون لديهم علاقة حقيقية بالله. فالانتماء إلى ديانة، لا يجعلنا منتمين لله. لقد كان شاول وجنوده يعرفون تماماً أن الله موجود، وأنه واحد، وأنه عظيم وجبار. ولكن هذه المعرفة لم تستطع أن تخلِّصهم من جُليات. إلا أن داود كان له علاقة حقيقية أصيلة مع الله الحي، الكلي القوة والجبروت! لقد عرف داود الله، وسار معه، وصدق مواعيده. ولهذا، لم يكن داود خائفاً من جليات.

وأنتم، يا من تستمعون اليوم، من تشبهون أكثر؟ داود؟ أم شاول وجنوده؟
.. هل تعرفون الله معرفة شخصية؟ أم قد سمعتم مجرد السمع ببعض الحقائق عنه؟
.. هل تعرفون كلمة الله معرفة جيدة، تملأ قلوبكم بالفرح؟ أم أنكم لا تحاولون إلا مجرد الوفاء بالتزاماتكم الدينية؟
.. هل لكم علاقة راسخة وسعيدة بالله الحي؟ أم أن كل ما لديكم هو ديانة جافة؟

فلنستمع لما كتبه النبي داود في المزامير، فيما يخص علاقته مع الله. قال داود:
‘‘الربُّ راعيَّ فلا يعوزني شيءٌ .. أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شراً، لأنك أنت معي .. إنما خيرٌ ورحمةٌ يتبعانني كل أيام حياتي، وأسكن في بيت الرَّبّ إلى مدى الأيام.’’ (مز 1:23 ،4 ،6)

فماذا عنك أنت .. عزيزي المستمع؟
.. هل لديك علاقة حميمة مع الرب الإله؟
.. هل تعرفه كراعٍ لك؟
.. هل أنت متيقن أنك سوف تسكن في دياره السماوية إلى الأبد؟ لقد كان لدى داود ذلك اليقين، لأنه عرف وعود الله الثمينة والعجيبة! فهو لم يعرفها بعقله وحسب؛ بل وصدقها وآمن بها في قلبه أيضاً.

لقد كان لداود إيمان حقيقي أصيل. ولم يتأسس إيمانه على كلمات الإنسان الواهية. وإنما تأسس إيمانه على الكلمة الجديرة بكل ثقة، كلمة الرب الإله الذي لا يترك شعبه! فلنصغِ إلى ما كتبه داود في المزامير. يقول الكتاب:
‘‘الرَّبُّ نوري وخلاصي، ممن أخاف. الرَّبُّ حصن حياتي، ممن أرتعب؟ .. إن نزل عليَّ جيشٌ، لا يخاف قلبي. إن قامت عليَّ حربٌ، ففي ذلك أنا مطمئنٌ. واحدةً سألت من الرَّبّ، وإياها ألتمس. أن أسكن في بيت الرَّبّ كل أيام حياتي، لكي أنظر إلى جمال الرَّبّ، وأتفرس في هيكله .. استمع يا رب. بصوتي أدعو، فارحمني واستجب لي. لك قال قلبي، قُلتَ اطلبوا وجهي. وجهك يا رب أطلب. لا تحجب وجهك عنّي.’’ (مز 1:27 ،3 ،4 ،7، 8)

‘‘أُحبك يا ربُّ يا قوتي. الرَّبُّ صخرتي وحصني ومنقذي. إلهي صخرتي، به أحتمي. تُرسي وقرن خلاصي وملجأي .. لأني بك اقتحمت جيشاً، وبإلهي تسوَّرت أسواراً. الله طريقه كاملٌ. قول الرب نقيٌ. ترسٌ هو لجميع المحتمين به.’’ (مز 1:18 ،2 ،29 ،30)

أعزائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم. وفي حلقتنا القادمة، إن شاء الله، سنستمر في دراسة قصة النبي داود، وسنرى معاً كيف بدأ داود يعتلي العرش كملك لإسرائيل.

وليبارككم الله. دعونا نودعكم بما قاله داود في كتاب المزامير، عندما قال:
‘‘ذوقوا وانظروا ما أطيب الرَّبّ. طوبى للرجل المتوكل عليه.’’ (مز 8:38)
ـــــــــــــ

 

 الدرس الثامن والأربعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية