40
خيمـة الاجتمـاع

خروج 24-40 ؛ لاويين 16
 

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

رأينا في حلقتنا السابقة، كيف تحول شعب إسرائيل عن الرب الذي خلصهم من العبودية في مصر. فبينما كان يتلقى موسى كلمة الله على جبل سيناء، صنع الشعب عجلاً، وعبدوه كصنم. إلا أن قصتنا اليوم، هي أجمل من ذلك بكثير. ولكن علينا أن نستمع إليها بكل الحرص، لأنها قصةٌ عميقةٌ جداً. فسنرى كيف أمر الله موسى والشعب أن يصنعوا خيمةً خاصةً جداً، كيما يعلمهم كيف يمكنهم أن يقتربوا إليه. واسم درسنا اليوم هو ‘‘خيمة الاجتماع’’.

وتقول التوراة، في سفر الخروج، والأصحاح الرابع والعشرين:
‘‘وحل مجد الرب على جبل سيناء، وغطَّاه السحاب ستة ايام. وفي اليوم السابع، دُعيَ موسى من وسط السحاب. وكان منظر مجد الرب كنارٍ آكلةٍ على رأس الجبل أمام عيون بني إسرائيل. ودخل موسى وسط السحاب، وصعد إلى الجبل. وكان موسى في الجبل أربعين نهاراً وأربعين ليلةً. (خر 16:24-18)

‘‘وكلم الرب موسى قائلاً: كلم بني إسرائيل أن يأخذوا لي تقدمةً. من كل مَن يحثُّه قلبه، تأخذون تقدمتي. وهذه هي التقدمة التي تأخذونها منهم. ذهبٌ وفضةٌ ونحاسٌ وأسمانجونيٌّ وأرجوان وقرمز، وبوصٌ وشعر معزى وجلود كباشٍ محمرةٌ وجلود تُخسٍ، وخشب سنطٍ. وزيت للمنارة، وأطيابٌ لدهن المَسحَةِ وللبخور العطر، وحجارة جزعٍ وحجارةُ ترصيعٍ للرداء والصدرة. فيصنعون لي مقدساً لأسكن في وسطهم. بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته، هكذا تصنعون.’’ (خر 1:25-9)

هل سمعت ما قاله الرب لموسى؟ لقد قال له شيئاً عجيباً ومدهشاً! لقد رتب الله أن يسكن وسط شعب إسرائيل، بين هؤلاء الذين أخطأوا إليه مرات ومرات! ولكن، لماذا يسكن الله وسط الخطاة، وهو العظيم القدوس؟ لماذا يهتم الله أن يكلِّم نسل آدم الذين تحولوا عنه، وهو روحُ ولا يحتاج إلى شيء؟ فالله، كما رأينا سابقاً، قد خلق الإنسان على صورته، لأنه رغب في أن يكون له شركةٌ مع الإنسان. وبالرغم أن خطية الإنسان أفسدت هذه الشركة، إلا أن الله أسَّس طريقاً باراً يستطيع الإنسان أن يرجع بموجبه إلى الله. لقد رتَّب الله أن يسكن بكل مجد حضرته وسط شعب إسرائيل، وكان ذلك بسبب حبه العظيم للخطاة، ولكي يتمم أغراضه الأزلية. وبواسطة خيمةٍ خاصةٍ جداً ونواميسَ خاصةٍ جداً أيضاً، رتَّب الله أن يوضح لنسل آدم كيف يمكنهم أن يقتربوا إليه. فكما تعلمنا سابقاً، إن الله قدوس، ولا يمكن للخطاة أن تكون لهم شركة معه بأي طريقة وحسب. ولهذا السبب، أمر الله شعب إسرائيل أن يصنعوا خيمة خاصة له، كيما يسكن في وسطهم بصورة تتناسب مع قداسته ومجده. أيضاً، بواسطة هذه الخيمة الخاصة، رتَّب الله أن يعلِّم أجيال المستقبل دروساً هامةً عديدةً عن نفسه، وعن المخلِّص الذي رتَّب أن يرسله إلى العالم.

وقبل أن نتفحص ما أمر الله به موسى من جهة المسكن الذي كان على الشعب أن يبنوه له، علينا أولاً أن نفهم أن الله لم يطلب منهم أن يبنوا له خيمة، لأنه كان يحتاج إلى مكان ليعيش فيه! لا! إن الله العلي، الذي خلق العالم وكل ما فيه، لا يعيش في مساكن مصنوعة بأيادي الناس! ففي كتابات الأنبياء، يعلن الرب عن نفسه قائلاً: ‘‘السماء كرسى لي، والأرض موطئٌ لقدميَّ. أي بيتٍ تبنون لي؟ وأيٌ هو مكانُ راحتي؟ أليست يدي صنعت هذه الأشياء كلها، فكانت كل هذه، يقول الرب؟’’ (أش 1:66-2؛ أع 48:7-49)

لماذا إذن أمر الله الشعب أن يصنعوا له خيمةً ليسكن فيها بروحه ومجده؟ كما قلنا سابقاً، أن الله أراد أن يعلِّم شعب إسرائيل وكل نسل آدم عن شوقه أن يدخل في شركة معهم. أراد الله أيضاً أن يضع أمامهم مثالاً توضيحياً للطريق الذي يستطيع الإنسان به أن ينال غفران الخطايا، ويكون له به الحق في الحياة مع الله في السماء إلى الأبد.

والشيء الذي يجب أن تعرفه أولاً عن خيمة الاجتماع، هو أن الله قال لموسى أنها يجب أن يكون لها غرفتين. لقد كانت خيمة الاجتماع خيمة واحدة، ولكن كان فيها ستار أو حجاب جميل وثقيل، يفصل الخيمة إلى غرفتين.

والغرفة الأولى كانت تسمى ‘‘القدس’’. ولا يمكن لأحد أن يدخل هذه الغرفة إلا الكهنة. والكهنة، هم من اختارهم الله من نسل هرون ليذبحوا الحيوانات، ليقدموها كذبائح للتكفير عن الخطايا. وكان هناك ثلاثة أشياء في هذه الغرفة. المائدة الذهبية أو المذبح الذهبي الذي كان يقدم عليه البخور، والمصباح الزيتي أو المنارة، ومائدة كان يوضع عليها خبزٌ مخصوص، كان يقدَّم أمام الله في العبادة.

أما الغرفة الثانية من الخيمة كانت تدعى ‘‘قدس الأقداس’’. وكانت تسمى بقدس الأقداس، لأن الله كان ينوي أن يسكن فيها بعد الانتهاء من الخيمة، مالئاً تلك الغرفة بمجده العظيم. وكان قدس الأقداس يرمز إلى السماء أو الفردوس. وبالتالي، كانت هذه الغرفة تخص الله وحده! ولهذا قال الله لموسى أن كل من يحاول أن يدخل قدس الأقداس، يموت! ولا أحد كان يقدر أن يدخل قدس الأقداس إلا رئيس الكهنة، ولا يستطيع أن يدخل إلا مرة واحدة في السنة. والأكثر من ذلك، أنه كان عليه أن يدخل بدم ذبيحة، للتكفير عن خطاياه وخطايا الشعب، كما أمر الله.

وأمر الله موسى أن يضع بداخل قدس الأقداس صندوقاً مصنوعاً من خشب السنط، ويغشِّيه بالذهب الخالص. وكان الصندوق يسمَّى ‘‘تابوت العهد’’. وبداخل تابوت العهد، كان عليهم أن يحفظوا لوحي الحجر اللذين كان مكتوباً عليهما الوصايا العشر. وفوق التابوت، كان يوضع غطاءٌ من ذهب، الذي كان على رئيس الكهنة أن يرشه بدم ذبيحة مرة واحدة في السنة، كيما يغفر الله خطايا شعب إسرائيل. ولهذا، سمى الله هذا الغطاء بـ‘‘غطاء الكفارة’’ أو ‘‘كرسي الرحمة’’.

وبعد هذا، أظهر الله لموسى كيف كان عليه أن يصنع ستاراً عالياً، ليكون بمثابة حائط يحيط بخيمة الاجتماع. وهذا الحائط، ‘‘حائط الدار الخارجية’’ أو الحائط المحيط بفناء الخيمة، كان ليُصنَع من ستائر بيضاء. وفي هذا الستار، كان عليهم أن يصنعوا باباً واحداً. وهكذا، لا يستطيع أحد أن يدخل فناء الخيمة، أي دارها الخارجية، إلا إذا مر بهذا الباب. وفي داخل الدار الخارجية، وأمام الباب، أمر الله موسى والشعب أن يضعوا مذبحاً مصنوعاً من النحاس. وكل من يدخل من باب الدار الخارجية، كان عليه أن يمر بالمذبح أولاً. لقد كان الله يريد أن يعلِّم شعب إسرائيل وكل نسل آدم، الطريق الذي ينبغي عليهم أن يقتربوا به منه. فكيف كان على الشعب أن يقترب إلى الله؟ لم يكن هناك إلا طريق ذبيحة الدم.

وكل من أراد أن يدخل الدار الخاجية لمسكن الله، كان عليه أن يدخل بذبيحة حيوانية كثمن لخطيته. لقد كان الله يُعلِّم الشعب أن لا أحد يستطيع أن يقترب إليه إلا على أساس دم ذبيحة. ولهذا، قال الله لموسى: ‘‘لأن نفس الجسد هي في الدم، فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم، لأن الدم يكفر عن النفس.’’ (لا 11:17)

ولهذا، فإن كان أحد يريد أن يعبد الله، كان عليه أن يقدم ذبيحة حيوانية أولاً للتكفير عن خطيته. وكان على المتعبد أن يُحضِرَ ثوراً أو خروفا أو طائراً إلى الدار الخارجية لخيمة الإجتماع. وأمام المذبح، كان عليه أن يضع يديه على رأس الذبيحة التي أحضرها، ويعترف لله أنه خاطئ، وأنه يستحق الموت بسبب خطاياه. ثم يقوم بعد ذلك بذبح الحيوان. وبعد هذا، يأخذ الكاهن دم الذبيحة، ويرشها على المذبح، وعلى الأرض التي حول المذبح، ثم يحرق الذبيحة عليه. وبهذه الطريقة، يستطيع الله أن يغفر (أو يغطي) خطية المذنب، لأن الحيوان البريء مات بدلاً منه.

كان على شعب إسرائيل أن يكرروا هذه الذبائح مراراً وتكراراً كل سنة. إذ لم تستطع الذبائح الحيوانية أن ترضي قداسة الله إرضاءً أبدياً. إذ كانت تلك الذبائح رمزاً مؤقتاً للمخلِّص الذي كان سيأتي ويموت بدلاً من الخطاة، كيما يمحو الله دين خطية نسل آدم محواً نهائياً ودائماً ، دون المساس بعدله وبره.

ولتوضيح ما كان سيقوم به المخلِّص من أجل الخطاة، قرَّر الله للشعب يوماً كل سنة، يدخل فيه رئيس إلى الغرفة الثانية، التي هي قدس اقداس خيمة الاجتماع. وكان هذا اليوم يسمَّى ‘‘يوم الكفارة’’. وفي هذا اليوم في شهر أكتوبر، كان لرئيس الكهنة الحق أن يدخل إلى قدس الأقداس، ويرش الدم على غطاء الكفارة الخاص بتابوت العهد. ولم يكن يستطيع أن يدخل قدس الأقداس، دون أن يحضر معه دم حيوان بلا عيب يقدسه للرب، للكفارة عن خطاياه الشخصية وخطايا الشعب أيضاً. وبهذه الطريقة، كان الله يوضح كيف سيأتي المخلِّص، ويسفك دمه، كيما يغفر الله للخطاة، ويرحب بهم في محضره إلى الأبد!

أعزائي المستمعين ..
كم درس اليوم من درس شيقٍ وعميقٍ وعجيب. وهناك الكثير الذي نود أن نقوله، ولكن وقتنا على وشك الانتهاء. ولكن، قبل أن نودعكم، هناك شيء آخر نود أن تعرفوه عن خيمة الاجتماع. ففي الأصحاح الأخير من سفر الخروج، يقول الله:
‘‘بحسب كل ما أمر الربُّ موسى، هكذا صنع بنو إسرائيل كل العمل. فنظر موسى جميع العمل، وإذا هم قد صنعوه كما أمر الرب. هكذا صنعوا. فباركهم موسى.’’ (خر42:39-43) ‘‘ثم غطت السحابة خيمة الاجتماع، وملأ بهاءُ الرب المسكن. فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الاجتماع؛ لأن السحابة حلَّت عليها، وبهاء الرب ملأ المسكن.’’ (خر 42:39 ،43 ؛ 34:40-35)

عزيزي المستمع .. هل ترى ما حدث؟
بعد الإنتهاء من إعداد خيمة الإجتماع، حل مجد الله على الخيمة، وملأ قدس الأقداس، ونور مجد الرب أشرق، بل وحتى فاق نور الشمس! وما علينا أن نتذكره في كل هذا، هو أن الله كان بذلك موضحاً البركات الأعظم التي كانت ستأتي عندما ينزل المخلِّص من السماء إلى العالم، ويأتي ليسكن بين نسل آدم. لقد كان المخلص نفسه هو ‘‘خيمة الإجتماع الحقيقية’’ التي أعطاها الله، كيما نستطيع أن يكون لنا علاقة حميمة وعجيبة معه إلى الأبد! فكما يقول الإنجيل:
‘‘في البدءَ كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله .. والكلمة صار جسداً، وحل بيننا، ورأينا مجده ! .. هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم.’’ (يو 1:1 ،14 ،29)

نعم، إن المخلِّص هو الوحيد الذي تمَّم كل شيء كانت ترمز إليه خيمة الإجتماع والذبائح الحيوانية؛ لأنه لم يأتِ فقط إلى عالمنا وعاش بين الناس، بل وأيضاً سفك دمه كالذبيحة الكاملة من أجل الخطاة، كيما يكون لنا علاقة حميمة مع الله إلى الأبد!

أعزائي المستمعين ..
هل تجدون ما درسناه اليوم صعب الفهم؟ إن كان كذلك، فدعونا نتذكر أن هناك أحياناً أموراً في كلمة الله يصعب فهمها، ولكن هذا لا يمنعها من أن تكون أموراً حقيقية. وعلينا أن لا ننسى أن الرب نفسه قال: ‘‘لأن أفكاري ليست أفكاركم، ولا طرقكم طرقي! .. لأنَّه كما علت السموات عن الأرض، هكذا علت طُرُقي عن طرقكم، وأفكاري عن أفكاركم.’’ (أش 8:55-9)

أعزائي المستمعين ..
هكذا نأتي إلى نهاية حلقتنا اليوم. فليبارككم الله وأنتم تتأملون في هذه الآيات من كلمة الله، والتي تقول:
‘‘يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما أبعد أحكامه عن الفحص، وطرقه عن الاستقصاء. لأن من عرف فكر الرب، أو من صار له مشيراً؟ .. لأن منه وبه وله كل الأشياء. له المجد إلى الأبد! آمين.’’ (رو 33:11-36)

ــــــــــــــ

 

 الدرس الحادي والأربعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية