37
الوصـايا العشـر
 

خروج 20
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

رأينا في حلقتنا السابقة، كيف كان كل جبل سيناء يدخن، لأن الرب الإله نزل عليه في نار ورعود وبروق، لكي يعطي وصاياه العشر لشعب إسرائيل. لقد أراد الله ألا يلمس أحد من الشعب الجبل حيث كان هو، لئلا من يلمسه يموت. وأراد أيضاً أن يعلمهم مقدار قداسته.

واليوم، نريد أن نفحص بأكثر تدقيق كل وصية من الوصايا العشر. ونقارنها بحياتنا، كي ما نعرف موقفنا من الله القدوس. ونقرأ اليوم في التوراة، في سفر الخروج والأصحاح العشرين. فبعد أن نزل الله على جبل سيناء في وسط النار والدخان، ‘‘تكلم الله بجميع هذه الكلمات قائلاً: أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من بيوت العبودية.’’ (خر 1:20-2)

1-‘‘لايكن لك آلهةٌ أخرى أمامي.’’ (خر 3:20)
هذه هي الوصية الأولى. لقد قال الرب الإله: ‘‘لا يكن لك آلهةٌ أخرى أمامي.’’ فهو وحده الذي يجب أن يكون إلهنا. وهو لن يشارك مجده مع آخر. إن الله خالقنا هو الوحيد الذي يجب أن نعبده. إلا أن ما نراه في العالم، إنما هو شيء مختلف. إن الناس تعظم الإنسان، وتجعله في مكانة لا يستحقها إلا الله وحده. اسمه وحده هو الاسم الرهيب. وهو وحده الذي يستحق تكريسنا الكامل، وثقتنا به. ومع ذلك، فعندما يواجه الناس مشكلة أو عائق، فإن أول فكرة تخطر لهم ليست هي الاتجاه لله، أوالصلاة له، أوالتضرع إليه؛ الله الذي هو خالق كل شيء، ويستطيع كل شيء. بل بدلاً من ذلك، يضعون كل ثقتهم في بشر آخرين مثلهم، ويعطونهم المكانة التي لا يستحقها إلا الله وحده. وهؤلاء الذين يفعلون ذلك، يضعون إلهاً آخر أمامهم. وأن يكون لك إلهٌ آخر أمامه، ما هو إلا خطية‍.

2- وفي الوصية الثانية قال الله: ‘‘لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً .. لأني أنا الرب إلهك.’’ (خر 4:20-5) وفي هذه الوصية، يوصينا الله أن نحفظ أنفسنا من الأوثان. والأوثان ليست محصورة في صور تماثيل، تلك التي تُعبد في بعض الأماكن وفي أركان البيوت. إن الوثن هو أي شيء يقف في الطريق بيننا وبين الله. فبالنسبة لبعض الناس، تكون كرة القدم إلههم، لأنها أهم من الله بالنسبة لهم. وللبعض الآخر، يقف التليفزيون بينهم وبين الله. فهم لا يهتمون بدراسة كلمة الله ليفهموها؛ وليس عندهم أي وقت لأي شيء، إلا لمشاهدة التليفزيون. وهناك بعض ثالث، يلبسون تعاويذ في شكل حلي، الشيء الذي يعني أن الله ليس كافياً لهم. ولبعض رابع، يحل المال محل الله؛ فالله ليس له المكانة الأولى في حياتهم، بل المال. بل وقد ينخرطون فيما لا يسر الله، كيما يحصلون على المزيد والمزيد من المال. ولهؤلاء الناس، المال هو إلههم. أي شيء يحل محل الله، هو وثن.

3- وفي الوصية الثالثة، قال الله: ‘‘لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً. لأن الربَّ لا يبرئُ من نطق باسمه باطلاً.’’ (خر 7:20) حقاً، إن الله لا يريدنا أن نستخدم اسمه باطلاً. ومع ذلك، يمكننا أن نسمع كل يوم، شخصاً يعد جاره قائلاً: ‘‘إن شاء الله سأفعل هذا أو ذاك، أو سأذهب إلى هذا المكان’’؛ بينما لا تتوفر في قلبه أية نية على الفعل أو الذهاب. فإرادة الله هي أبعد ما يكون عن عقله. فهو يستخدم اسم الله فقط لكي يجعل الآخرين يصدقون أكاذيبه. وهذا حقاً خطية. وآخرون يقولون: ‘‘والله، لم أفعل هذا الشيء!’’، بينما هم يدركون جيداً أنهم قد فعلوا هذا الشيء! بينما يقول آخر: ‘‘يعلم الله، أني لم أفعل هذا أو ذاك!’’، ولكنهم يكذبون وحسب. كل هذا هو استخدام باطل لاسم الله. إذ تقول كلمة الله:
‘‘بل ليكن كلامكم نعم نعم ، لا لا؛ وما زاد على ذلك فهو من الشرير.’’ (مت 37:5).

4- وفي الوصية الرابعة، تكلم الله مع شعب إسرائيل قائلاً: ‘‘اذكر يوم السبت لتقدّسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك .. لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها. واستراح في اليوم السابع.’’ (خر 8:20) وفي هذا، نرى أن الله أراد أن يستريح الشعب كل سابع يوم من الأسبوع، ليكرموه.

5- وفي الوصية الخامسة، قال الله: ‘‘أكرم أباك وأمك.’’ (خر 12:20) وهنا، يمكننا أن نرى كم لوالدينا من مكانة غالية، وإنهم جديرون بكل إكرام، وأننا ينبغي أن نعطيهم الاحترام الذي يستحقونه. ومع ذلك، فإن هذا ليس ما نراه في جيل اليوم. إذ نرى أبناءً يجيبون بوقاحة على والديهم عندما يتكلمون معهم، ويتعالون عليهم، وينكرونهم ويمضون. فهم لا يكرمون والديهم، بل يضايقونهم وحسب. إلا أن هذه هي ليست طريقة الحياة التي نتعلمها من الوصية الخامسة. إذ أن إرادة الله للأبناء هي أن يحبوا والديهم، ويكرموهم، ويطيعوهم في كل شيء يسر الله ويتفق مع إرادته.

6- ويقول الله في الوصية السادسة: ‘‘لا تقتل’’ (خر 13:20) وهنا، يقول الله أن كل من يقتل نفساً يخطئ ضد الله، لأن الله هو الوحيد الذي يعطي الحياة والنفس لكل إنسان. وبالتالي، فإن قتل الإنسان هو كراهية لله، لأن الله خلق الإنسان على صورته. وترينا كلمة الله أيضاً أن القتل ليس مقصوراً على القتل الحرفي للإنسان. إذ يقول الكتاب: ‘‘كل من يبغض أخاه، فهو قاتل نفس.’’ (1يو 15:3) وما يتغاضى عنه الكثيرون هو أن الله لا يدين الإنسان حسب ما قد فعل فحسب، بل أيضاً بحسب ما يريد أن يفعله، أي بحسب نواياه. وحيث أن الله ينظر للقلب، فالكراهية والقتل هما متساويان في نظره.

7- ثم يقول الله في وصيته السابعة: ‘‘لاتزن’’ (خر 14:20) فالزواج هو عطية ثمينة من الله. والله يعرف ما هو صالح لنا. ولذلك، فبعد أن يعطي الله الإنسان زوجة ليتزوجها، فإنه يريده أن يحد نفسه في زوجته، ويرفض أن يكون له ولو نظرة شهوة واحدة لأي امرأة أخرى. وتقول كلمة الله: ‘‘كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم.’’ (أف 25:8) ، وتقول أيضاً: ‘‘إن من طلق امرأته إلا لسبب الزنى، وتزوج بأخرى، فإنه يزني.’’ (مت 9:19) وعندما يعصى الناس ناموس الله، ويفعلون ما هو ممنوع عليهم، فلا ينالون في أجسادهم إلا عواقب أفعالهم. ولذلك، تصيب الأمراض المميتة الكثيرين الذين لهم علاقات جنسية خارج حدود الزواج الذي رسمه الله. ولابد هنا، أن ندرك شيئاً آخر؛ ألا وهو أن الزنا ليس مقصوراً على ما نفعله بأجسامنا، بل يتضمن أيضاً ما يدور في أذهاننا. وفيما يخص هذا، يقول الكتاب: ‘‘إن كل من ينظر لامرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه.’’ (مت 28:5)

8- وفي الوصية الثامنة، يقول الله: ‘‘لا تسرق.’’ (خر15:20) هذه الوصية واضحة. ومع ذلك، فعلينا أن نعرف أن السرقة في نظر الله الذي سيديننا، ليس محصورة على سرقة النقود أو الأشياء التي لا تخصنا. فمجرد الرغبة في أن تأخذ ما يخص الغير، وحتى ولو كنت لم تأخذه بالفعل، فأنك تكون بذلك قد سرقته في قلبك. إن الله ينظر إلىالقلب. والسرقة لها جوانب عديدة. فعلى سبيل المثال، فإذا أسند رئيسك عملاً إليك، ودفع لك أجر هذا العمل، واعتقد أنك تعمل بينما أنت تضيِّع الوقت، فعندئذ تكون سارقاً. نعم، لقد سرقت من ربح رئيسك. وما هو عقاب السرقة، وكل خطية أخرى؟ إنه الموت، والطرح في نار جهنم التي لا تطفأ.

9-اما الوصية التاسعة، فتقول: ‘‘لا تشهد على قريبك شهادة زور.’’ (خر 16:20) وهذه الوصية هي أيضاً واضحة كل الوضوح. فالرب الإله هو إله الحق، وليس فيه كذب البتة. أما الإنسان، فإنه يظن أنه من المسموح به أن يكذب كذبة صغيرة تجنباً للمشاكل، وحفاظاً على السلام. ولكن، مع إله الحق ليس هناك كذباً صغيراً. إذ يقول الله أن كل من يكذب إنما يتمثل بطبيعة الشيطان. إذ يقول الكتاب عن الشيطان: ‘‘إنه كذاب وأبو الكذاب.’’ (يو 44:8) لقد كذب الشيطان على أجدادنا آدم وحواء، ومازال مستمراً في خداع الناس بأكاذيبه. ومن ثم، فإن كل من يكذب، فإنه مثل الشيطان.

10- ثم تأتي الوصية العاشرة لتقول: ‘‘لاتشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولاشيئاً مما لقريبك.’’ (خر 17:20). وترينا هذا الوصية أن الله يعلم كم معوج وشرير هو قلب الإنسان. فالشهوة والطمع موجودان في قلوب بني آدم. ويدفعنا قلبنا الشرير إلى أن نشتهي زوجة رجل آخر، أو نضع أعيننا على ما يمتلكه غيرنا ولا نملكه نحن. وهذه خطية، لأن كلمة الله تقول: ‘‘لأننا لم ندخل العالم بشيء، وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء. فإن كان لنا قوت وكسوة، فلنكتفي بهما. ’’ (1تي 7:6-8)

هذه هي الوصايا العشر التي عهد بها الرب لموسى ولبني إسرائيل.

كيف إذن يمكننا أن نختم حلقتنا اليوم. ربما بسؤال. وهنا يأتي سؤال، ينبغي أن يجيبه كل واحد منا. هل أطعت أنا كل الوصايا العشر؟ وربما تعلم أنه عندما أتى الفادي إلى العالم، لخَّص كل الوصايا العشر في جملتين:
الأولى: تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك.
والثانية: تحب قريبك كنفسك.
ويقول الكتاب: أن ‘‘بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء.’’ (مت 37:22 ،39-40)

والآن، إن أردت أن تفحص نفسك لتعرف ما إذا كنت قد حافظت على الوصايا العشر التي أعطاها الله لموسى، يمكنك أن تسأل نفسك سؤالين:
السؤال الأول هو: ما هي علاقتي بالله؟ هل أحب الله من كل قلبي؟
والسؤال الثاني هو: ما هي علاقتي مع الآخرين؟ هل أحب قريبي كنفسي؟

عزيزي المستمع ..
ما هي علاقتك بالله؟ دع قلبك يجيب بكل أمانة على هذا السؤال. هل تحب الله بكل فكرك؟ هل تحبه من كل قلبك؟ هل الله وكلمته لهما المكانة الأولى في قلبك؟

وماذا عن علاقتك بالناس؟ هل تحب قريبك كنفسك؟ هل تضع الآخرين قبل نفسك، وهل تبدِّيهم عليك؟ هل تهتم بأخيك الإنسان كما تهتم بنفسك؟ هل تفعل بالآخرين ما تحب أن يفعلوه بك؟

إن لم تستطع أن تجيب بالإيجاب على كل هذه الأسئلة، فاعلم أنك في عيني الله، خاطئُ ومتعد. ولا تستطيع أن تأمل في أي شيء بناءً على أعمالك الشخصية، أكثر من لعنة دينونة الله العادلة. إذ يقول الكتاب: ‘‘الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة، فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت.’’ (رؤ 8:21)

إن الله قدوس، ولا يستطيع أن يحتمل الخطية.
والله أيضاً كامل، ولا يستطيع أن يقبل أي أعمال غير كاملة.
ولذلك يقول الكتاب: ‘‘لأن من حفظ كل الناموس، وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرماً في الكل.’’ (يع 10:2) فإن محاولة حفظ الوصايا العشر .. ‘‘لا يبرر أحد أمام الله .. لماذا؟ لأن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله.’’ (رؤ 20:3-23)
نعم .. أصدقائي المستمعين، فإن كلمة الله واضحة عندما تقول أن: ‘‘الجميع أخطأوا’’ ثم تقول: ‘‘إن جميع الذين هم من أعمال الناموس، هم تحت لعنة.’’ (غل 10:3)

وربما يسأل سائلٌ: ‘‘حسناً، فلماذا إذن أعطانا الله الوصايا العشر، مادام أحدُ منا لا يستطيع أن يحفظها؟’’
هذا هو سؤال في غاية الأهمية. وبإذن الله، في حلقتنا القادمة، سوف نرى كيف يجيب الله عليه.

فليبارككم الله، ويكشف لكم الحقيقة الهامة المتضمنة في آيته التي تقول:
‘‘لأن من حفظ كل الناموس، وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرماً في الكل.’’ (يع 10:2)

ـــــــــــــــــ
 

 الدرس الثامن والثلاثون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية