35
طعـامٌ في الصـحراء
 

خروج 16-17
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

رأينا في حلقتنا السابقة، كيف أنقذ الله شعب إسرائيل من يد فرعون وجنوده. فعندما وصل بني إسرائيل إلى شاطئ البحر الأحمر، لم يكن لديهم أي وسيلة يهربون بها من جيش فرعون. ولكننا رأينا كيف شق الرب طريقاً لهم في البحر، كيما يستطيعوا أن يسيروا في وسط البحر على أرض يابسة. ولكن عندما حاولت جيوش المصريين العبور وراءهم، غرقوا. وهكذا، أنقذ الرب شعب إسرائيل في ذلك اليوم من يد شعب مصر. وعندما رأوا قوة الرب العظيمة، خافوه ورنموا له قائلين: ‘‘الرب قوتي ونشيدي. وقد صار خلاصي. هذا إلهي فأمجده.’’ (خر2:15)

ونحن الآن بصدد دراسة سفر الخروج، حيث كان شعب إسرائيل في البرية، بين مصر وكنعان. وكنعان هي الأرض التي وعد بها الرب جدهم إبراهيم ونسله، أن يملكوها. واليوم، سنرى كيف أطعم الله بني إسرائيل في الصحراء. ويرينا الكتاب كيف سار الله أمامهم في سحابة عظيمة أثناء اليوم، وفي عمود نار أثناء الليل. ومن المؤكد، أنه إن لم يكن الرب قد رعاهم وأرشدهم واعتنى بهم، لكانوا قد هلكوا.

دعونا نتخيل لبرهة الظروف التي وجد الإسرائيليون أنفسهم فيها. فلقد كانوا جماعةً كبيرةً من الناس تزيد عن المليونين. وكانوا يمرون بصحراء جافة جداً. صحراء بلا طعام ولا ماء. فكر في هذا: شعب غفير من الناس يسير وسط برية قاحلة من الرمال والأشجار الشائكة؛ كيف يمكن لهذا الشعب أن يعيش؟ من يمكنه أن ينقذهم من شبح الجوع والعطش؟ كيف يمكن لمثل هذا الجمع الغفير، وقطعان ماشيتهم، أن يجدوا ما يكفيهم من الماء والطعام، ليظلوا على قيد الحياة في البرية. هل كان يمكنهم أن يطعموا أنفسهم؟ لا، بالطبع! من يمكنه أن يطعمهم إذاً؟ هناك إجابة واحدة لهذا السؤال: الله وحده .. هوالذي كان يمكنه أن يطعمهم ويبقيهم أحياء.

ولكن، هل وثق شعب إسرائيل في الله؟ أم كانوا قلقين على ما سيأكلونه وما سيشربونه؟ من المؤكد أنه كان عليهم أن يثقوا بالله. فالله قد صنع كثيراً من العجائب والقوات من أجلهم. لقد حررهم من قيود عبوديتهم بضرباته العشر. وخلص أبكارهم من الموت بدم الحمل. وشق لهم طريقاً في وسط البحر. والآن، يسير أمامهم في سحابة تقودهم راجعين إلى أرض كنعان، كما وعد جدهم إبراهيم منذ زمن بعيد. فما تظن أنت .. عزيزي المستمع؟ هل كان لشعب إسرائيل ثقة في إلههم؟ هل آمنوا أنه يستطيع أن يفعل ما وعد به؟ دعونا الآن نرجع إلى الكتاب، ونكتشف الإجابة.

دعونا نقرأ الآن من الأصحاح السادس عشر من سفر الخروج في توراة موسى. يقول الكتاب:
‘‘ثم ارتحلوا من إيليم، وأتى كل جماعة بني إسرائيل إلى برية سين التي بين إيليم وسيناء في اليوم الخامس عشر من الشهر الثاني بعد خروجهم من أرض مصر. فتذمر كل جماعة بني إسرائيل على موسى وهرون في البرية. وقال لهما بنو إسرائيل: ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر، إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزاً للشبع. فإنكما أخرجتمانا إلى القفر، لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع.’’ (خر 1:16-3)

حسناً، فهل كان لشعب إسرائيل ثقة في الله؟ لا. بل كانوا يتذمرون عليه وعلى نبيه موسى. فلنستمع كيف أجابهم الله. يقول الكتاب:
‘‘فكلم الرب موسى قائلاً: سمعت تذمر بني إسرائيل. كَلِّمَهم قائلاٍ في العشية تأكلون لحماً، وفي الصباح تشبعون خبزاً، وتعلمون أني أنا الرب إلهكم. (خر 11:16-12)
‘‘فقال الرب لموسى: ها أنا أمطر لكم خبزاً من السماء. فيخرج الشعب ويلتقطون حاجة اليوم بيومها؛ لكي أمتحنهم: أيسلكون في ناموسي أم لا.’’ (خر4:16)
‘فكان في المساء أن السلوى صعدت وغطت المحلة، وفي الصباح كان سقيط الندى حوالي المحلة. ولما ارتفع سقيط الندى، إذا على وجه البريّة شيءٌ دقيقٌ مثل قشورٍ. دقيقٌ كالجليد على الأرض. فلما رأى بنو إسرائيل، قالوا بعضهم لبعضٍ: من هو؟ لأنهم لم يعرفوا ما هو. فقال لهم موسى هو الخبز الذي أعطاكم الرب لتأكلوا. هذا هو الشيءُ الذي أمر به الرب. (خر 13:16-15) ‘‘ودعا بيت إسرائيل اسمه ‘مَنّاً’. وهو كبزر الكزبرة أبيض وطعمه كرقاقٍ بعسلٍ.’’ (خر 31:16)

وهذه هي الطريقة التي أطعم بها الله بني إسرائيل في البرية حتى اليوم الذي وصلوا فيه إلى أرض كنعان. فهل سمعت من أين أتى الطعام؟ لقد أتى من السماء. جاء من الله. فهل كان بني إسرائيل مستحقين هذا الطعام الذي أرسله لهم الله؟ لا، فلم يستحقوا سوى عقاب الله لهم، بسبب عدم إيمانهم وعدم إمتنانهم. فلقد كان بسبب رحمة الله فقط، أنهم لم يموتوا من الجوع في البرية.

والآن، دعونا نستمر في القراءة، لنرى ما حدث مرة أخرى، عندما نفذ الماء من بني إسرائيل. دعونا نقرأ من الأصحاح السابع عشر. يقول الكتاب:
‘‘ثم ارتحل كل جماعة بني إسرائيل .. بحسب مراحلهم على موجب أمر الرب ونزلوا في رفيديم. ولم يكن ماءٌ ليشرب الشعب. فخاصم الشعب موسى وقالوا: أعطونا ماءً لنشرب. فقال لهم موسى: لماذا تخاصمونني. لماذا تجربون الرب. وعطش هناك الشعب إلى الماء. وتذمر الشعب على موسى، وقالوا: لماذا أصعدتنا من مصر لتميتنا وأولادنا ومواشينا بالعطش. فصرخ موسى إلى الرب قائلاً: ماذا أفعل بهذا الشعب. بعد قليل يرجمونني. فقال الرب لموسى: مر قدام الشعب، وخذ معك من شيوخ إسرائيل. وعصاك التي ضربت بها النهر، خذها في يدك واذهب. ها أنا أقف أمامك هناك على الصخرة في حوريب، فتضرب الصخرة، فيخرج منها ماءٌ ليشرب الشعب. ففعل موسى هكذا أمام عيون شيوخ إسرائيل.’’ (خر 1:17-6)

وهكذا، اندفع ينبوعٌ من الماء من الصخرة متدفقاً في الصحراء. وشرب منه جميعهم، وجميع مواشيهم.

دعونا نتوقف هنا، ونتأمل في القصة التي نقرأها اليوم. فبعد كل ما فعله الله لبني إسرائيل، هل كان لهم إيمان به؟ وهل كانت قلوبهم مليئة بالشكر والتسبيح، بسبب كل ما فعله من أجلهم؟ لا. لم يثقوا في الله؛ بل على العكس، راحوا يتذمرون ويتكلمون ضد الله، الذي كان قد أنقذهم للتو من أخطار كثيرة جداً.

ولكن، ما الذي فعله الله؟ إن الله في صبره وصلاحه، أعطاهم طعاماً وماءً في الصحراء. هل استحق بني إسرائيل بركات الله هذه؟ لا. بل لم يستحقوا إلا دينونة الله. فلماذا إذن أراهم الله صلاحه؟ ذلك، لأن الله أمين ورحيم. فهو الله الأمين الرحيم. وبسبب رحمته هذه، دبر طعاماً وماءً لهم، حتى بالرغم من كونهم خطاة جحودين. فلو كان الخلاص من الجوع والعطش معتمداً على صلاح الشعب واستحقاقه، لبات من المؤكد أن الله كان سيتركهم يموتون في الصحراء.

أيضاً، يجب أن ندرك أن الله لم يحميهم لمجرد رحمته عليهم، ولكن أيضاً لكي يحفظ وعده. فالله أمين، يحفظ كل وعوده. وهو الذي أعطى وعداً، مهماً يخص شعب إسرائيل. وكما تعلمنا سابقاً، أن الله وعد أن يبارك كل أمم العالم من خلال شعب إسرائيل. وذلك، لأن من خلالهم كان سيجيء الأنبياء والكتب المقدسة ومخلص العالم. حقاً، فإن الله أمين وكلي الرحمة. فهو إله الحق، وإله المحبة. وبلا شك، لم يستحق شعب إسرائيل محبة الله. ومع ذلك، فإنهم عندما عصوا الله وتكلموا ضده، أثبت الله أمانته ومحبته بإعطائهم طعاماً من السماء.

وربما نتساءل: ما هي قيمة قصص بني إسرائيل لنا اليوم؟ إن كلمة الله تقول:
‘‘فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثلاً (أي لكي تكون مثالاً لنا)، وكتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور.’’ (1كو 11:10)
فكما خلَّص الرب بني إسرائيل من قوة الصحراء، فهو يريد بنفس الطريقة أن يخلِّص كل واحد من نسل آدم، من قوة الخطية.

ويرينا الكتاب أننا جميعنا خطاة مثل بني إسرائيل، وليس لنا أي وسيلة لتخليص أنفسنا. لا من قوة الخطية، ولا من دينونة الله العادلة. ربما لا نسير في برية قاحلة مثل بني إسرائيل، ولكن شبح الموت لا زال يحلِّق فوقنا، كما حلَّق فوقهم. إن كلمة الله واضحة: كل من يرفض أن يقبل وسيلة الخلاص التي دبرها الله، سيموت في خطاياه، ويُطرح في نار الجحيم الأبدية. إلا أن هذه ليست أفكاراً جميلة: أن نموت في الخطية، أو نأتي إلى الدينونة، أو نُطرح في الجحيم! إن كلها مآسٍ رهيبة! إلا أن الخبر السار هو أن لا أحد يحتاج أن يموت في خطاياه. فتماماً كما أعطى الله بني إسرائيل طعاماً كيما يعيشوا ولا يموتون من الجوع في البرية، فبنفس الطريقة، أعطانا الله طعاماً، كيما نُبارك في هذه الحياة، وللأبد في الحياة الآتية!

ولكن، ما هو الطعام الذي يعطي حياةً أبدية؟ هل يمكننا أن نشتري طعاماً من السوق، يعطينا قوة، تجعلنا نحيا إلى الأبد في محضر الله؟ لا، فليس هناك طعاماً مثل هذا متوفراً في الأسواق. إذن، فما هو هذا الطعام الذي يعطي حياة أبدية، ومن أين نحصل عليه؟

أصدقائي المستمعين ..
لابد وأن تعلموا أنه بعد ألف وخمسمائة سنة بعدما أكل بني إسرائيل المن (خبز السماء) من البرية، أرسل الله الفادي، مخلص العالم. هذا هو الطعام الذي رتَّبه الله، ليخلص أناس العالم من قوة الخطية والموت والدينونة والجحيم. دعونا نسمع ونتأمل بدقة فيما قاله الفادي بنفسه وهو على الأرض. لقد قال:
‘‘الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا. ولكن هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء .. من يُقبل إليَّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً.’’ (يو 47:6-51،   35)

أصدقائي المستمعين ..
إلى هنا نأتي إلى ختام حلقتنا اليوم. وفي حلقتنا القادمة بإذن الله، سنرى كيف اعطى الله شعب إسرائيل الوصايا العشر.

وليبارككم الله وأنم تتأملون فيما أعلنه الفادي قائلاً:
‘‘إنا هو خبز الحياة. من يقبل إليَّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً.’’ (يو 35:6)

ـــــــــــــــ

 

 الدرس السادس والثلاثون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية