31
يا فرعــون ..
مـن هـو الرب؟
 

خروج 4-6

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

سنستمر اليوم في دراسة السفر الثاني من التوراة، الذي يحكي لنا قصة نبي الله موسى، وشعب إسرائيل في مصر. وفي الدرس السابق، رأينا كيف اضطهد فرعون ملك مصر بني إسرائيل، جاعلاً منهم عبيداً له. إلا أن الله كان لديه خطةٌ، ليقلب الشر الذي كان يفعله فرعون. خطط الله أن يستخدم موسى، وهو رجل من بني إسرائيل، ليخلصهم من يد فرعون.

وتعلمنا أن موسى تهذب بكل حكمة المصريين. وعندما كان في الأربعين من عمره، حاول أن يخلِّص شعبه بطرقه الخاصة. إلا أن طرق موسى لم ينتج عنها إلا المشاكل، وأرغمته في النهاية على الهروب من فرعون، والاختباء في البرية. فكان على موسى ان يتعلم، أنه في ذاته لا يزيد عن كونه بشر عادي، وأنه ليس لديه في ذاته أي قوة ليحرر بها بني إسرائيل، إلا إذا أعطيت له من قبل الرب. وهكذا، عاش موسى في البرية لمدة أربعين سنة، راعياً لغنم حميه.


وفي يوم، عندما كان موسى في الثمانين من عمره، ظهر الله له على جبل سيناء، في لهيب عليقة مشتعلة. وكانت العليقة تشتعل بالنار دون أن تحترق. وعندما رأى موسى هذا المنظر، تعجب، واقترب ليتفحصها. وهنا، سمع صوت الله يقول:
‘‘لاتقترب إلى ههنا. اخلع حذاءَك من رجليك؛ لأن الموضع الذي أنت واقفٌ عليه أرضٌ مقدسةٌ. ثم قال: أنا إله أبيك إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب. فغطَّى موسى وجهه، لأنه خاف أن ينظر إلى الله. فقال الرب: إني قد رأيت مذلَّة شعبي الذي في مصر، وسمعت صراخهم من أجل مُسخِّريهم. إني علمت أوجاعهم، فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين. فالآن، هلمَّ، فأرسلك إلى فرعون، وتُخرِج شعبي بني إسرائيل من مصر.’’

والآن، دعونا نستكمل قراءتنا في التوراة، لنرى كيف ختم الله حديثه مع موسى، وأرسله إلى ملك مصر. ورأينا، من خلال قراءتنا للأصحاح الثالث، كيف وعد الله موسى بأن يكون معه، ويعطيه الحكمة والسلطان أمام فرعون مصر وشعبها. ولكننا سنرى في الأصحاح الرابع كيف كان موسى خائفاً من الذهاب.

ويقول الكتاب في الأصحاح الرابع من سفر الخروج:
‘‘فأجاب موسى وقال: ولكن ها هم لا يصدقونني، ولا يسمعون لقولي. بل يقولون لم يظهر لك الرب. فقال له الرب: ما هذه في يدك. فقال: عصا. فقال: اطرحها إلى الأرض. فطرحها إلى الأرض. فصارت حيةً. فهرب موسى منها. ثم قال الرب لموسى: مد يدك وأمسك بذنبها. فمد يده وأمسك بهِ. فصارت عصاً في يده. لكي يصدِّقوا أنه قد ظهر لك الرب إله أبائهم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب.’’ (خر1:4-5)
‘‘فقال موسى للرب: استمع أيها السيد. لست أنا صاحب كلامٍ منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك. بل أنا ثقيل الفم واللسان. فقال له الرب: من صنع للإنسان فماً؟ أو من يصنع أخرس أو أصمَّ أو بصيراً أو أعمى؟ أما هو أنا الرب؟ فالآن أذهب، وأنا أكون مع فمك، أعلِّمُكَ ما تتكلم به. فقال استمع أيها السيد: أرسل بيد من ترسل. فحميَ غضب الرب على موسى، وقال: أليس هرونُ اللاوي أخاك؟ أنا أعلم أنَّه هو يتكلم. وأيضاً ها هو خارجٌ لاستقبالك. فحينما يراك يفرح بقلبه. فتكلمه وتضع الكلمات في فمهِ. وأنا أكون مع فمك ومع فمهِ، وأعلمكما ماذا تصنعان. وهو يكلم الشَّعبَ عنك. وهو يكون لك فماً، وأنت تكون له إلهاً. وتأخذ في يدك هذه العصا التي تصنعُ بها الآيات.
فمضى موسى ورجع إلى يثرون حميه، وقال له: أنا أذهب وأرجع إلى إخوتي الذين في مصر، لأرى هل هم بعد أحياء. فقال يثرون لموسى: اذهب بسلامٍ. وقال الرب لموسى في مديان: اذهب ارجع إلى مصر. لأنه قد مات جميع القوم الذين كانوا يطلبون نفسك. فأخذ موسى امرأته وبنيه، وأركبهم على الحمير، ورجع إلى أرض مصر. وأخذ موسى عصا الله في يده. وقال الرب لموسى: عندما تذهب لترجع إلى مصر، أنظر جميع العجائب التي جعلتها في يدك، واصنعها قدام فرعون .. فتقول لفرعون هكذا يقول الرب: أسرائيل ابني البكر. فقلت لك أطلق ابني ليعبدني.’’ (خر10:4-23)
‘‘وقال الرب لهرون: اذهب إلى البرية لاستقبال موسى. فذهب والتقاه في جبل الله، وقبَّله. فأخبر موسى هرون بجميع كلام الرب الذي أرسله، وبكل الآيات التي أوصاه بها. ثم مضى موسى وهرون، وجمعا جميع شيوخ بني إسرائيل. فتكلم هرون بجميع الكلام الذي كلَّم الرب موسى به، وصنع الآيات أمام عيون الشعب. فآمن الشعب. ولما سمعوا أن الرب افتقد بني إسرائيل، وأنه نظر مذلَّتهم، خرُّوا وسجدوا.’’ (خر 27:4-31)
‘‘وبعد ذلك دخل موسى وهرون، وقالا لفرعون: هكذا يقول الرب إله إسرائيل، أطلق شعبي ليُعَيِّدوا لي في البريَّة. فقال فرعون: من هو الرب حتى أسمع لقوله فأُطلِق إسرائيل؟ لا أعرف الرب، وإسرائيل لا أطلقه.’’ (خر1:5-2)

وهنا، دعونا نتوقف لحظة. إننا نرى هنا كيف كلَّم الله فرعون من خلال فم موسى وهرون. فهل صدَّق فرعون كلمة الله؟ لا، لم يصدق! هل سمعت كيف أجاب فرعون موسى وهرون؟ لقد قال: ‘‘من هو الرب حتى أسمع لقوله فأُطلِق إسرائيل؟ لا أعرف الرب، وإسرائيل لا أطلقه.’’

إن فرعون لم يعرف الرب، السرمدي، الأزلي الأبدي. فلقد كان لفرعون وشعب مصر ديانة، ولكنهم لم يعرفوا الرب. لقد اهتمُّوا باتِّباع ديانة أجدادهم. ولم يهتمُّوا بمعرفة الله الحي الحقيقي، إله إبراهيم وإسحق ويعقوب. لقد وضع فرعون مصر وشعبها ثقتهم في عاداتهم، وأصنامهم، وأعمال سحرهم، وقادة دينهم؛ ولكنهم لم يضعوا ثقتهم في الرب وفي كلمته الأبدية.

ومن ثمَّ، يقول الكتاب في الأصحاح السادس:
‘‘فقال الرب لموسى: الآن تنظر ما أفعل بفرعون. فإنه بيدٍ قويةٍ يطلقهم وبيدٍ قويةٍ يطردهم من أرضه. ثم كلَّم الله موسى وقال له: أنا الرب. وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحق ويعقوب بأني ‘الإله القادر على كل شئٍ’. وأما باسمي ‘يهوه’ فلم أُعرَف عندهم. وأيضاً أقمت معهم عهدي أن أعطيهم أرض كنعان، أرض غربتهم التي تغربوا فيها. وأنا أيضاً قد سمعت أنين إسرائيل الذين يستعبدهم المصريون، وتذكَّرت عهدي. لذلك قل لبني إسرائيل: أنا الرب. وأنا أخرجكم من تحت أثقال المصريين، وأنقذكم من عبوديتهم، وأخلصكم بذراعٍ ممدودةٍ، وبأحكامٍ عظيمةٍ. وأتخذكم لي شعباً، وأكون لكم إلهاً. فتعلمون أني أنا الرب إلهكم، الذي يخرجكم من تحت أثقال المصريين. وأدخلكم إلى الأرض، التي رفعتُ يدي أن أعطيها ميراثاً. أنا الرب.’’ (خر 1:6-8)
‘‘ولا يسمع لكما فرعون حتى أجعل يدي على مصر، فأُخرِج أجنادي شعبي بني إسرائيل من أرض مصر بأحكامٍ عظيمةٍ. فيعرف المصريون أني أنا الرب، عندما أمد يدي على مصر، وأُخرِجُ بني إسرائيل من بينهم. ففعل موسى وهرون كما أمرهما الرب. هكذا فعلا. وكان موسى ابن ثمانين سنةً، وهرون ابن ثلاثٍ وثمانين سنةٍ، حين كلَّما فرعون.’’ (خر4:7-7)

وهكذا، نرى كيف خطَّط الله أن يدين فرعون وشعب مصر بأعمال دينونته الجبارة. لقد قصد الله في بره، أن يعاقب المصريين على مئات سنين المعاناة، التي جلبوها على بني إسرائيل. وأيضاً، أراد الله أن يظهر مجده وقوته من خلال المعجزات، التي خطط أن يصنعها على يد موسى. ومن ثمَّ، يبين الله للمصريين ولكل العالم، أن الرب الذي كلم إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى، هو الإله الحي الحقيقي.

وهنا نحتاج أن نتذكَّر، أنه كان في أرض مصر كثيراً من الأصنام التي كانوا يعتبرونها آلهة. إلا أن الله أرادهم أن يعرفوا، أنه يوجد إلهٌ واحدٌ حقيقي. لقد أرادهم أن يعرفوا، أن الإله الحي الحقيقي هو الذي أسس عهده مع إبراهيم وإسحق ويعقوب، واعداً إياهم أن يجعلهم أمة يأتي منها الأنبياء، والكتب المقدسة، ومخلص العالم.

إلا أن فرعون لم يكن مهتماً أن يعرف الله الواحد الحقيقي. ولهذا، فعندما أراد الله أن يكلِّم فرعون عن طريق أنبيائه موسى وهرون، أجابهما فرعون قائلاً:
‘‘من هو الرب حتى أسمع لقوله فأُطلِق إسرائيل. لا أعرف الرب، وإسرائيل لا أطلقه.’’(خر2:5)

لقد نطق فرعون بالحقيقة عندما قال أنه لا يعرف الرب! فهو لم يعرف الإله الذي أسس عهداً ابدياً مع إبراهيم وإسحق ويعقوب. فلقد كان له ديانة، ولكنه لم يكن له علاقة بالله. وكان قلبه مغلقاً عن الحق الآتى من الله الواحد الحقيقي. ومن ثمَّ، أهمل فرعون الرسالة التي كلمه بها الله عن طريق موسى وهرون.

وحتى يومنا هذا، يتبع معظم الناس في العالم طريق فرعون. فهم يتكلمون عن الله، ولكنهم لا يعطون أدنى اهتمام لكلمة الله. وبالتالي، فهم لا يعرفون الله. إنهم يعرفون بعض الأمور عن الله، ولكنهم لا يعرفون الله نفسه. لهم ديانة تسلَّموها من الآباء والأجداد، ولكنهم ليسوا لهم أي علاقة مع الإله الحي، الذي أظهر نفسه لموسى.

ولكن، ماذا عنك أنت .. عزيزي المستمع؟
هل تعرف الرب؟ هل تعرف حقاً ما الذي قاله عن طريق إنبيائه؟ هل حقاً تعرف الرب الإله؟ هل تحبه بكل قلبك؟ هل تطيعه؟ أم أنك مثل فرعون، تطيع ديانة آبائك فحسب؟

اعزائي المستمعين ..
يا ليت لا يوجد بيننا واحد مثل فرعون، الذي رفض أن يسمع ويؤمن بكلمة الإله الأزلي الأبدي. اسمعوا لهذا التحذير المذكور في كلمة الله:
‘‘أنظروا أيها الإخوة أن لا يكون في أحدكم قلبٌ شريرٌ بعدم إيمان في الارتداد عن الله الحيّ.’’ (عب12:3)

واليوم إن سمعتم صوت الله، فلا تقسُّوا قلوبكم كما فعل فرعون الذي قال: ‘‘من هو الرب حتى أسمع لقوله؟’’

أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على حسن إصغائكم. وفي حلقتنا القادمة، سنكمل معاً هذه القصة المشوقة، ونرى كيف جلب الله على فرعون وشعب مصر عشر ضربات، حتى ما يعرفوا أنه هو الرب.

وليبارككم الله وانتم تنتبهون لتحذير كلمته القائل:
‘‘اليوم إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم.’’ (عب15:3)

ــــــــــــــ
 

 الدرس الثاني والثلاثون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية