هل فعلا كان بطرس رأس الكنيسة


يقول البعض أن القديس بطرس هو أول رئيس روحي وأول بابا لروما, وان باقي الباباوات الذين أتوا بعده كانوا برتبته وتوارثوا سلطته, ويقولون أيضا أن القديس بطرس كان رأس كل الرسل والقديسين وأن الرب يسوع المسيح أسس الكنيسة عليه, وأعطاه وباقي الذين خلفوه أن يكونوا رؤساء روحيين لروما ولهم القدرة والسيطرة على كل الكنيسة الى الأبد.
وهم يؤسسون هذا الإعتقاد على ماجاء في انجيل متى 16 : 18 عندما سأل المسيح التلاميذ ( من تقولون إني أنا ) فقال له بطرس ( أنت هو المسيح ابن الله الحي ) فقال له الرب يسوع ( أن لحما ودما لم يعلن لك ذلك لكن ابي الذي في السموات وانا اقول لك ايضا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وابواب الجحيم لن تقوى عليها ). نلاحظ هنا أن الرب يسوع لم يقل له أنت الصخرة وعليك انت ابني كنيستي , بل قال له انت بطرس, وبطرس باللغة اليونانية تعني حجر صغير ولاتعني صخرة, والصخرة اي بترا (كما جاءت باللغة الأصلية اليونانية) هي لاهوت الرب يسوع المسيح, أي كون يسوع هو المسيح ابن الله ,أي الله الذي ظهر بالجسد. وبطرس نفسه فهم ان الصخرة ليست هو, بل الرب يسوع المسيح لذلك كتب برسالته الأولى 2: 6-8 ( لذلك يتضمن أيضا بالكتاب هانذا أضع في صهيون حجر زاوية مختارا كريما والذي يؤمن به لن يخزى فلكم انتم الذين تؤمنون الكرامة واما الذين لايطيعون فالحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية وحجر صدمة وصخرة عثرة ). والرسل جميعهم فهموا أن الصخرة هي المسيح وليست سمعان بطرس, وقد علّموا على هذا الأساس. فبولس الرسول كتب في رسالته الأولى الى أهل كورونثوس 10 : 4 واضعا اليهود الذين خرجوا من مصر مثالا ( وجميعهم شربوا شرابا واحدا روحيا لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح ). وفي الإصحاح 3 : 11 كتب يقول ( فإنه لايستطيع أحد أن يضع أساسا آخر غير الذي وضع الذي هو يسوع المسيح ) فالمسيح هو الصخرة وحجر الأساس في بناء الكنيسة الروحي. واذا تابعنا القراءة في متى 16 نرى انه عندما بدأ المسيح يقول للتلاميذ أنه سيتألم ويموت وفي اليوم الثالث سيقوم, انتهره بطرس ( وكأنه يفهم أكثر منه بما يقول, معتبرا أن يسوع مخطأ بكلامه ) فقال له يسوع ( اذهب عني ياشيطان انت معثرة لي لأنك لاتهتم بما لله لكن بما للناس ). فمن المستحيل ان يقول له انت الصخرة التي أبني عليها كنيستي وبعد لحظات يوبخه ويقول له انك شيطان.
أمر آخر تعلّمه كنيسة روما الكاثوليكية, عن ماقاله الرب لبطرس في نفس الإصحاح ( وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ماتربطه على الأرض يكون مربوطا في السموات ). وايضا ماجاء في متى 18 : 18 ( الحق اقول لكم كل ماتربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء ) فأخذوا هذا الكلام وجعلوه لمغفرة الخطايا. أي أن المسيح أعطى بطرس والرسل سلطان لمغفرة الخطايا, وهذا تجديف على الرب, فمغفرة الخطايا هي في سلطان الله وحده. فلا يستطيع انسان مهما على شأنه ان يغفر الخطايا. يستطيع بطرس ان يسامح أو يغفرلشخص ما على خطأ ارتكبه بحقه هو, لكنه لا يستطيع ان يغفر او يسامح أحد اخطا بحق شخص آخر غيره, فكيف اذا كانت الخطية موجهة ضد الله. وبطرس اليهودي يعرف هذا تماما, فعندما كان الرب يسوع مع التلاميذ يعلّم في أحد البيوت في لوقا 5 أتى اليهم اربعة رجال حاملين اليه مفلوجا أنزلوه من فتحة في السقف, اذ لم يستطيعوا الدخول بسبب الجموع, قال له يسوع مغفورة لك خطاياك, عندها اعترض اليهود الموجودين وقالوا من يستطيع ان يغفر الخطايا إلا الله وحده, وهذا صحيح والرب يسوع اجابهم على كلامهم انه ليس فقط يستطيع ان يغفر بل أن يثبت أنه غفر, محققا انه الله الذي ظهر في الجسد, قال للرجل ان يقوم ويحمل سريره ويمشي, فاثبت القول بالفعل. وعندما أرسل الرب تلاميذه اثنين اثنين قال لهم اكرزوا بين الناس لأنه اقترب ملكوت السموات,( اشفوا مرضى, طهروا برصا, أقيموا موتى, أخرجوا شياطين, مجانا أخذتم مجانا أعطوا ) ولم يقل لهم أبدا اغفروا خطايا. أما لماذا قال الرب يسوع للتلاميذ كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء وكل ماتربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء ) , فلنرجع الى متى 18 ونقرأ ماقاله الرب : ( وإن أخطأ اليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما ان سمع منك فقد ربحت أخاك وان لم يسمع فخذ معك أيضا واحدا أو اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة وإن لم يسمع منك فقل للكنيسة وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندكم كالوثني والعشار الحق أقول لكم كل ماتربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء وكل ماتحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء ). فالحل والربط هنا لاعلاقة له بغفران الخطايا أو عدم غفرانها, فسلطان الغفران هو بيد الرب وحده, وأصلا, ليس مسموح لأحد على الإطلاق ان لايغفر لأحد بل على العكس علينا ان نغفر ونسامح من أخطأ الينا. وهذا ماعلمه الرب في الصلاة الربانية ( أغفر لنا ذنوبنا كما نحن نغفر لمن أساء الينا ) وبعدها قال ( إن لم تغفروا للناس زلاتهم لن يغفر لكم ابوكم السماوي زلاتكم ) فالربط هنا ليس لكي لايغفروا, بل هو لأمر آخر يتعلق بالكنيسة, فعندما يخطىء شخص في الكنيسة ولايسمع لنصيحة شخصين آخرين ومن ثم يرفض كلام الكنيسة مجتمعة, عندها يمكن للكنيسة ان تعتبره كالوثني والعشار, أي يقررون فصله من الكنيسة, والله هنا يوافق على قرار الكنيسة في الربط واذا عاد وتاب عن خطيئته عندها الكنيسة عليها ان تقبله والله يوافق على الحل. هذا ما معناه كل ماتحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء وكل ماتربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء. وليس له علاقة ابدا بموضوع غفران الخطايا.
أما عن مفاتيح ملكوت السموات : فهي أن بطرس هو أول شخص في الكنيسة تكلم جهارا في مجمع اليهود في أورشليم حين وعظ عن يسوع الذي قام من الأموات أنه هو المسيح المخلص, فآمن بسبب كلامه ثلاثة آلاف نفس من اليهود, وعندها ابتدأت الكنيسة, وهذا أول مفتاح, وكان هذا يوم الخمسين عندما نزل الروح القدس على التلاميذ ال120 المجتمعين في أورشليم. والمفتاح الثاني كان عندما أتى الرب لبطرس برؤيا في أعمال 10 ليخبره عن دخول الأمم في الإيمان المسيحي بالكنيسة وطلب منه ان يذهب الى بيت كرنيليوس الأممي قائد المئة, حيث سمع منه كيف كلمه ملاك وقال له ان يستدعي بطرس شخصيا لكي يشرح له طريق الخلاص, عندها قبل اليهود المؤمنين دخول الأمم الى الإيمان المسيحي, بعدما اعتقدوا انه محصور باليهود. وكان هذا المفتاح الثاني, لكنهم بعد ذلك ارادوا ان يفرضوا عليهم ان يختتنوا حتى يدخلوا الى الكنيسة, فحدثت مباحثات بين الرسل ومشايخ الكنيسة عندها وقف بطرس وسط الجميع وقال لهم في أعمال 15 : 7 ( ايها الرجال الإخوة انتم تعلمون انه منذ أيام قديمة اختار الله بيننا انه بفمي يسمع الأمم كلمة الإنجيل ويؤمنون, والله العارف القلوب شهد لهم معطيا لهم الروح القدس كما لنا أيضا ولم يميز بيننا وبينهم بشيء اذ طهر بالإيمان قلوبهم, فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولانحن تحمله, لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن ان نخلص كما أولئك أيضا ). وكان هذا تثبيت وتأكيد ان الله اعطاه المفاتيح لكي يدخل الأمم كما اليهود بالإيمان المسيحي ليحصلوا على ملكوت السموات, وانتهى الموضوع, ولم يعطي الرب يسوع لبطرس ان يفتح او يغلق لمن يريد الدخول في الإيمان المسيحي, لأنها أولا ليست من اختصاص بطرس بل من اختصاص الروح القدس الذي هو من يفّهم طريق الخلاص للناس, وهو الذي يفتح القلوب عندما يسمع الناس كلمة الرب. امر آخر, بطرس موجود في الفردوس مع الرب ولايسمع ولايعرف ماذا يحصل على الأرض لاهو ولاغيره من المؤمنين. ولايوجد في الإنجيل ولاآية واحدة ولاتعليم واحد يقول انه يوجد خليفة لبطرس أو غيره من الرسل, والرسل انفسهم بما فيهم بطرس لم يعلّموا ولم يطلبوا من أحد ان يخلفهم , بل تلمذوا الناس وعلموهم عن الرب فقط والروح القدس هو من يقيم خداما له في الكنائس, وليس البشر. ولم يقولوا أبدا ان بطرس هو رأس الكنيسة, وكيف يقولون انه راس الكنيسة وهم يعلمون ان الرب وبخه وقال عنه انه شيطان في متى 16, وعند محاكمة الرب أمام الكهنة انكره وحلف ثلاث مرات انه لايعرفه. وفوق هذا كتب بولس برسالته الى كنيسة غلاطية عن بطرس في إصحاح 2 : 11 ( ولما أتى بطرس الى انطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملوما لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان بأكل مع الأمم ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه خائفا من الذين هم من الختان ورأى معه باقي اليهود أيضا حتى أن برنابا انقاد الى ريائهم ) أي انه كان مرائي, وكان السبب في مراآت اليهود وبرنابا ولم يكن قدوة صالحة لهم. فإذا كان بطرس فعلا رأس الكنيسة كما يقول البعض, لايمكن ان يواجهه بولس بهذا الموضوع, وأن يكون مرائيا.
وايضا لو كان بطرس رأس الكنيسة لما استطاع بولس أن يكتب انه مساو لباقي الرسل في 2كورونثوس 11 : 5 ( لأني أحسب اني لم أنقص شيئا عن فائقي الرسل ) وأيضا في 2كورونثوس 12 : 11 . وفي 2كو 11 : 28 عندما عدد الصعوبات التي واجهها في خدمته وقال ( عدا ما هو دون ذلك التراكم علي كل يوم الإهتمام بجميع الكنائس ). من هنا نرى ان بولس هو من كان يهتم بالكنائس وليس بطرس, وبطرس شخصيا لم يقل عن نفسه هكذا ولا حتى باقي الرسل. حتى ان بولس الذي كان فعلا يهتم بجميع الكنائس لم يقل عن نفسه انه رأس الكنيسة ولا التلاميذ قالوا ذلك, لأنهم كانوا يعلمون ان رأس الكنيسة هو الرب يسوع نفسه. وهو لم يعطي هذا السلطان لأحد بل على العكس, فعندما تشاجر التلاميذ بين أنفسهم عمن هو الأعظم وبخهم الرب في لوقا 22 : 25 ( فقال لهم ملوك الأمم يسودونهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين وأما انتم فليس هكذا بل الكبير فيكم ليكن كالأصغر والمتقدم كالخادم ) فمن الواضح هنا انه لم يقيم عليهم رأسا, لابطرس ولاغيره من الرسل. وفي متى 23 عندما تكلم الرب يسوع عن الفريسيين كيف انهم جلسوا على كرسي موسى وتحكموا بالناس ورفعوا من شأنهم وتعظموا على غيرهم, قال للتلاميذ ( وأما أنتم فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد المسيح وانتم جميعا اخوة ) أي جميعهم متساوون بنظر المسيح, وليس بينهم رئيس. وبولس ذكر في رسالة أفسس 5 : 23 ( ان المسيح رأس الكنيسة ) وفي كولوسي 1 : 18 ( المسيح هو رأس الجسد أي الكنيسة ) ولم يذكر هذا عن بطرس ولا مرة واحدة. وبطرس لم يقل ذلك عن نفسه, حتى انه قال في رسالته الأولى الى المؤمنين المتغربين في الشتات ( أطلب الى الشيوخ الذين بينكم أنا الشيخ رفيقهم ) أي مثلهم, وهو لم يأمر أحد بالكنيس كرئيس بل قبل الأوامر من الجماعة كغيره, ففي أعمال الرسل 8 : 14 يقول الكتاب ( ولما سمع الرسل الذين في أورشليم ان السامرة قد قبلت كلمة الله ارسلوا اليهم بطرس ويوحنا ) ولو كان هو الرأس لكان هو من أرسل غيره. وايضا لايوجد ذكر في كل العهد الجديد عن ان بطرس ذهب الى روما حتى يكون اسقف كنيستها, ومن ثم يقيم خليفة له فيها. وبولس كتب رسالة الى كنيسة روما ( رومية ) من 16 اصحاح لم يذكر فيها بطرس بكلمة , وايضا عاش بولس في روما سنتين واستأجر مدرسة لكي يعلم فيها عن الإيمان المسيحي ولم يذكر انه التقى ببطرس في روما, والعهد الجديد ذكر ان بطرس سافر الى انطاكية والسامرة وقيصرية ولكنه لم يذكر ابدا انه سافر الى روما, لماذا؟ لأنها لم تحدث. وكذلك لايوجد في المخطوطات والرسائل والكتب التي كتبت في القرن الأول والثاني أن بطرس كان في كنيسة روما, ولاحتى ان كنيسة روما كانت أول كنيسة في المسيحية بل أول كنيسة تأسست كانت كنيسة أورشليم, التي كان يعقوب اسقفها, حتى ان كنائس انطاكية وكورونثوس وغلاطية وفيلبي وتسالونيكي تاسسوا قبل كنيسة روما, ودعي التلاميذ مسيحيين في انطاكية.
وفوق هذا كله, العهد الجديد لم يذكر كلمة بابا أبدا ولم يذكر اية رتبة أو مركز كمركز البابا, بل ذكر خدام الكنيسة مثل الشمامسة والشيوخ أي الأساقفة أو الرعاة لكن لم يذكر ابدا فوقهم رأس أو بابا. ولم يذكر الكتاب أيضا ان بطرس كان لديه أتباع أو تلاميذ حتى يجعل منهم خليفة له, وهو كان رجلا متزوجا ولم يعلّم انه يجب على الراعي أو الأسقف ان لا يتزوج, بل ان بولس علّم في رسالته الأولى الى تيموثاوس 3 : 2 ( أن الاسقف يجب ان يكون بلا لوم بعل امرأة واحدة )
أي ان الزواج لايمنع من ان يكون المؤمن في الكنيسة خادما أي راعيا أو اسقفا.

Back

رجوع الى الصفحة الرئيسية